السقيفة وفدك

الصفحة السابقة الصفحة التالية

السقيفة وفدك

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 101

والأرض إليه الوسيلة، ونحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته، ومحل قدسه، ونحن محبته في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه. ثم قالت: أنا فاطمة ابنة محمد، أقول عودا على بدء، وما أقول ذلك سرفا ولا شططا، فاسمعوا بأسماع واعية، وقلوب راعية، ثم قالت: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم، وآخا ابن عمي دون رجالكم، ثم ذكرت كلاما طويلا سنذكره فيما بعد في الفصل الثاني، تقول في آخره: ثم أنتم الآن تزعمون أني لا أرث لي من أبي، (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) أيها معاشر المسلمين، أبتز إرث أبي أبى الله أن ترث يا ابن أبي قحافة أباك ولا أرث أبي، لقد جئت شيئا فريا، دونكما مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، (ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب قيم)، ثم التفتت إلى قبر أبيها، فتمثلت بقول هند بنت أثاثة: قد كان بعدك أنباء وهيمنة لو * كنت شاهدها لم تكثر الخطب أبدت رجال نجوى صدورهم لما * قضيت وحالت دونك الكتب تجهمتنا رجال واستخف بنا إذ * غبت عنا فنحن اليوم نغتصب قال: ولم ير الناس أكثر باك ولا باكية منهم يومئذ، ثم عدلت إلى مسجد الأنصار، فقالت: يا معشر البقية، وأعضاد الملة، وحضنة الإسلام،

(هامش)

(1) سورة التوبة: 128، 129. (2) سورة المائدة: 5. (3) سورة هود: 39. (4) هند بنت أثاثة بن عبد المطلب. شاعرة من شواعر العرب أسلمت وبايعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لها شعر في المعاجم. أعلام النساء 5: 216. الطبقات الكبرى 2: 331. الدر المنثور: 536. سيرة ابن هشام 3: 43، 97. نهاية الأرب 17: 1 1. معجم ما استعجم: 836. الأعلام 9: 1 2. (*)

ص 102

ما هذه الفترة عن نصرتي، والونية عن معونتي، والغمزة في حقي، والسنة في ظلامتي، أما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يقول: المرء يحفظ في ولده، سرعان ما أحدثتم، وعجلان ما أتيتم، الآن مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمتم دينه، ها إن موته لعمري خطب جليل استوسع وهنه، واستبهم فتقه، وفقد راتقه، وأظلمت الأرض له، وخشعت الجبال، وأكدت الآمال، أضيع بعده الحريم، وهتكت الحرمة، واذيلت المصونة، وتلك نازلة أعلن بها كتاب الله قبل موته، وأنبأكم بها قبل وفاته، فقال: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا، وسيجزي الله الشاكرين). أيها بني قيلة، اهتضم تراثي أبي، وأنتم بمرأى ومسمع، تبلغكم الدعوة، ويشملكم الصوت، وفيكم العدة والعدد، ولكم الدار والجنن، وأنتم نخبة الله التي انتخب، وخيرته التي اختار، باديتم العرب وبادتهم الأمور، وكافحتهم البهم؟ حتى دارت بكم رحى الإسلام، ودر حلبه، وخبت نيران الحرب، وسكنت فورة الشرك، وهدأت دعوة الهرج، واستوثق نظام الدين، أفتأخرتم بعد الإقدام، ونكصتم بعد الشدة، وجبنتم بعد الشجاعة، عن قوم نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم، (فقاتلوا أئمة الكفر أنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون). ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وركنتم إلى الدعة، فجحدتم الذي وعيتم، وسغتم الذي سوغتم، (وإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد) ألا وقد قلت لكم ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم، وهور القناة، وضعف اليقين، فدونكموها فاحتووها مدبرة الظهر، ناقبة الخف، باقية العار، موسومة الشعار، موصولة

(هامش)

(1) سورة آل عمران: 144. (2) سورة التوبة: 12. (3) سورة إبراهيم: 8. (*)

ص 103

ب‍ (نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة) فبعين الله ما تعملون، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).

 * حدثني محمد بن زكريا، قال: حدثنا محمد بن الضحاك، قال: حدثنا هشام بن محمد، عن عوانة بن الحكم، قال: لما كلمت فاطمة (عليها السلام) أبا بكر بما كلمته به، حمد أبو بكر الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال: يا خيرة النساء، وابنة خير الآباء، والله ما عدوت رأي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما عملت إلا بأمره، وإن الرائد لا يكذب أهله، وقد قلت فأبلغت، وأغلظت فأهجرت، فغفر الله لنا ولك، أما بعد فقد فعت؟ آلة رسول الله ودابته وحذاءه إلى علي (عليه السلام)، وأما سوى ذلك فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا أرضا ولا عقارا ولا دارا، ولكنا نورث الإيمان والحكمة والعلم والسنة، فقد عملت بما أمرني، ونصحت له وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

(هامش)

(1) سورة الهمزة: 7. (2) ابن أبي الحديد 16: 211. وقد اختصر الخطبة وتأتي بمجموعها في الملحقات كما جاءت في كتاب السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري. (3) ابن أبي الحديد 13: 213. لقد أجاب المحققون والمحدثون على كلام أبي بكر، وأن قوله هذا مفتعل على النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ومختلق على لسانه (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن جميع مفاهيم الإسلام والسنة المحمدية ظهرت واضحة على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكيف لم يظهر هذا القول إلا بعد وفاته والناقل له هو وحده... وهل أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا سمح الله أتى خلاف ما جاء به القرآن كما قالت واستشهدت بها فاطمة (عليها السلام) من الآيات، وكيف أخرج أبو بكر وبأي ديل وسنة، آلة الرسول ودابته وحذاءه من ضمن الإرث ودفعها إلى علي (عليه السلام). وعلى حد قول أبي بكر فإن فاطمة الزهراء (عليها السلام) ورثت إيمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحكمته وعلمه وسنته، وإنها وارثة في جميع ذلك، هل يمكن أن تدعي ما ليس لها بحق... كلا وألف كلا... وهل يجوز لأبي بكر أن يقول في حق الصديقة الطاهرة: أغلظت فأهجرت، فغفر الله لنا ولك... اللهم إليك المشتكى وإليك المصير. (*)

ص 104

وروى هشام بن محمد، عن أبيه قال: قالت فاطمة، لأبي بكر: إن أم أيمن تشهد لي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أعطاني فدك، فقال لها: يا ابنة رسول الله، والله ما خلق الله خلقا أحب إلي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبيك، ولوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك، والله لأن تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري، أتراني أعطي الأحمر والأبيض حقه وأظلمك حقك، وأنت بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إن هذا المال لم يكن للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنما كان مالا من أموال المسلمين يحمل النبي به الرجال، وينفقه في سبيل الله، فلما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وليته كما كان يليه، قالت: والله لا كلمتك أبدا، قال: والله لا هجرتك أبدا، قالت: والله لأدعون الله عليك، قال: والله لأدعون الله لك، فلما حضرتها الوفاة أوصت ألا يصلي عليها، فدفنت ليلا، وصلى عليها عباس بن عبد المطلب، وكان بين وفاتها ووفاة أبيها اثنتان وسبعون ليلة. * حدثني محمد بن زكريا. قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة، بالإسناد الأول، قال: فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه مقالتها فصعد المنبر، وقال: أيها الناس ما هذه الرعة إلى كل قالة، أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ألا من سمع فليقل، ومن شهد فليتكلم، إنما هو ثعالة شهيده ذنبه، مرب لكل فتنة، هو الذي يقول: كروها جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفه، ويستنصرون بالنساء، كأم طحال أحب أهلها إليها البغي، ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت: ولو قلت لبحت، إني ساكت ما تركت. ثم التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغني يا

(هامش)

(1) اتفقت كلمة المحدثين على أن - فدك - كانت خالصة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقط، وأنه منحها في السنة السابعة من الهجرة إلى الصديقة الطاهرة، فتصبح فدك خارجة من الإرث، فضلا عن أن الزهراء (عليها السلام) تصرفت بها إلى حين وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وهذه الجملة من أبي بكر إن دلت على شيء فإنما تدل على كذبه الصريح، وإنه كسائر كلماته لم تكن منبعثة عن صدق وإيمان. (2) ابن أبي الحديد 16: 214 تفسير الرازي 8: 125. فدك: 46. (*)

ص 105

معشر الأنصار مقالة سفهائكم، وأحق من لزم عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنتم، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم، ألا إني لست باسطا يدا ولا لسانا على من لم يستحق ذلك منا. ثم نزل، فانصرفت فاطمة (عليها السلام) إلى منزلها. * حدثني محمد بن زكريا، قال: حدثني ابن عائشة، قال: حدثني أبي، عن عمه قال: لما كلمت فاطمة أبا بكر بكى ثم قال: يا ابنة رسول الله، والله ما ورث أبوك دينارا ولا درهما، وأنه قال: إن الأنبياء لا يورثون، فقالت، أن فدك وهبها لي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: فمن يشهد بذلك، فجاء علي بن أبي طالب (عليه السلام) فشهد، وجاءت أم أيمن فشهدت أيضا، فجاء عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، فشهد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان يقسمها، قال أبو بكر، صدقت يا ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصدق علي، وصدقت أم أيمن، وصدق عمر، وصدق عبد الرحمن بن عوف، وذلك أن مالك لأبيك كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأخذ من فدك قوتكم، ويقسم الباقي، ويحمل منه في سبيل الله، فما تصنعين بها، قالت: أصنع بها كما يصنع بها أبي، قال فلك علي الله أن أصنع فيها كما كان يصنع فيها أبوك، قال: الله لتفعلن قال: الله لأفعلن، قالت اللهم اشهد، وكان أبو بكر يأخذ غلتها فيدفع إليهم منها ما يكفيهم، ويقسم الباقي، وكان عمر كذلك، ثم كان عثمان كذلك ثم كان علي كذلك فلما ولي الأمر معاوية بن أبي

(هامش)

(3) ابن أبي الحديد 16: 214. (1) لما ولي عثمان أقطع فدكا إلى مروان بن الحكم. سنن البيهقي 6: 3 1، الغدير 7: 195. وأما في عهد عمر بن الخطاب فقد رد فدكا إلى ورثة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب يتنازعان فيها، فكان علي يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعلها في حياته لفاطمة، وكان العباس يأبى ذلك ويقول: هي ملك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا وارثه، فكانا يتخاصمان إلى عمر فيأبى أن يحكم بينهما. الغدير 7: 194. تاج العروس 7: 166. الأموال لأبي عبيد: 11 البداية 5: 288. معجم البلدان 4: 238. (2) لم يتسلم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في خلافته فدكا، ولم يشتغل بها ولم يكن لدينا = (*)

ص 106

سفيان أقطع مروان بن الحكم ثلثها، وأقطع عمرو بن عثمان بن عفان ثلثها، وذلك بعد موت الحسن بن علي (عليه السلام)، فلم يزالوا يتداولونها حتى خلصت كلها لمروان بن الحكم أيام خلافته، فوهبها لعبد العزيز ابنه، فوهبها ابنه عبد العزيز، لابنه عمر بن عبد العزيز، فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، كانت أول ظلامة ردها دعا حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقيل: بل دعا علي بن الحسين (عليه السلام) فردها عليه. وكانت بيد أولاد فاطمة (عليها السلام)، مدة ولاية عمر بن عبد العزيز، فلما ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم، فصارت في أيدي بني مروان كما كانت يتداولونها، حتى انتقلت الخلافة عنهم، فلما ولي أبو العباس السفاح، ردها على عبد الله بن الحسن بن الحسن، ثم قبضها أبو جعفر لما حدث من بني حسن ما حدث، ثم ردها المهدي ابنه، على ولد فاطمة (عليها السلام)، ثم قبضها موسى بن المهدي، وهارون أخوه، فلم تزل في أيديهم حتى ولي المأمون، فردها على الفاطميين. * حدثني محمد بن زكريا قال: حدثني مهدي بن سابق، قال: جلس المأمون للمظالم، فأول وقعة وقعت في يده نظر فيها وبكى وقال للذي على رأسه: ناد أين وكيل فاطمة، فقام شيخ وعليه دراعة وعمامة وخف تعزى، فتقدم فجعل يناظره في فدك، والمأمون يحتج عليه وهو يحتج على المأمون، ثم أمر أن يسجل لهم بها فكتب التسجيل وقرئ عليه، فأنفذه،

(هامش)

= ما يثبت ذلك، وقد أجاب الإمام الصادق (عليه السلام) عن عدم استرجاع علي (عليه السلام)، فدكا، فقال: لأن الظالم والمظلومة قد كانا قدما على الله وأثاب الله المظلومة، وعاقب الظالم، فكره أن يسترجع شيئا قد عاقب الله عليه غاصبه وأثاب عليه المغصوب منه. وأجاب الإمام الكاظم (عليه السلام) فقال: لأنا أهل البيت لا يأخذ لنا حقوقنا ممن ظلمنا إلا هو - يعني الله عز وجل - ونحن أولياء المؤمنين، إنما نحكم لهم ونأخذ حقوقهم ممن ظلمهم ولا نأخذ لأنفسنا، فدك: 193. (1) ابن أبي الحديد 16: 216. چ (*)

ص 107

فقام دعبل إلى المأمون فأنشده الأبيات التي أولها: أصبح وجه الزمان قد ضحكا برد مأمون هاشم فدكا فلم تزل في أيديهم حتى كان في أيام المتوكل، فأقطعها عبد الله بن عمر البازيار، وإن فيها إحدى عشرة نخلة غرسها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيده، فكان بنو فاطمة يأخذون ثمرها، فإذا أقدم الحجاج أهدوا لهم من ذلك التمر فيصلونهم، فيصير إليهم من ذلك مال جزيل جليل، فصرم عبد الله بن عمر البازيار ذلك التمر، ووجه رجلا يقال له بشران بن أبي أمية الثقفي إلى المدينة فصرمه، ثم عاد إلى البصرة ففلج. * أخبرنا أبو زيد عر بن شبه، قال: حدثنا سويد بن سعيد، والحسن بن عثمان، قالا: حدثنا الوليد بن محمد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن فاطمة (عليها السلام)، أرسلت إلى أبي بكر تسأله عن ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدينة، وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا نورث ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال، وإني والله لا أغير شيئا من صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولأعلمن فيها بما عمل فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا، فوجدت من ذلك على أبي بكر وهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد أبيها ستة أشهر، فلما توفيت دفنها علي (عليه السلام) ليلا ولم ويؤذن بها أبا بكر.

(هامش)

(1) صرم النخل: جذه وقطعه. (2) ابن أبي الحديد 16: 217. فدك 58. (3) ابن أبي الحديد 16: 217. كشف الغمة 1: 374. (*)

ص 108

* وأخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا عمر بن عاصم، وموسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن الكلبي. عن أبي صالح، عن أم هاني، أن فاطمة قالت لأبي بكر: من يرثك إذا مت؟ قال: ولدي وأهلي، قال: فما لك ترث رسول الله (صلى الله عليه وآله) دوننا؟ قال: يا ابنة رسول الله، ما ورث أبوك دارا ولا مالا ولا ذهبا ولا فضة، قالت: بلى سهم الله الذي جعله لنا، وصار فيئنا الذي بيدك، فقال لها: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إنما هي طعمه أطعمناها الله، فإذا مت كانت بين المسلمين. * وأخبرنا أبو زيد قال: حدثنا إسحاق بن إدريس، قال: حدثنا محمد بن أحمد، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن فاطمة، والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهما حينئذ يطلبان أرضه بفدك، وسهمه بخيبر، فقال لهما أبو بكر: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لا نورث، ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد (صلى الله عليه وآله) من هذا المال، وإني والله لا أغير أمرا رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصنعه إلا صنعته قال: فهجرته فاطمة فل تكلمه حتى ماتت.

(هامش)

(1) ابن أبي الحديد 16: 217. فتوح البلدان: 38. فدك: 34. كنز العمال 3: 13. كشف الغمة 1: 477. (2) كذب صريح، وادعاء فارغ والدليل على هذا سيرته مع فاطمة الزهراء (عليها السلام) فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في العام السابع من الهجرة منح بضعته الصديقة، فدك، فلماذا سلبه منها واغضب الصديقة. ولأي الأمور تدفن ليلا بضعة المصطفى ويعفى ثراها ألم يسمع قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا فاطمة، إن الله عز وجل يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك، مستدرك الصحيحين 3: 153. كنز العمال 7: 111. ذخائر العقبى: 39. كفاية الطالب: 364. (3) ابن أبي الحديد 16: 217. صحيح البخاري 5: 5. صحيح مسلم 2: 72. مسند أحمد 1: 6. تاريخ الطبري 3: 2 2. كفاية الطالب: 37. سنن البيهقي 6: 1 3. الغدير 7: 266. كشف الغمة 1: 374. (*)

ص 109

* وأخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا محمد بن الفضل، عن الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل، قال: أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: أن ورثت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أم أهله؟ قال: بل أهله، قالت: فما بال سهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إن الله أطعم نبيه طعمة، ثم قبضه، وجعله للذي يقوم بعده، فوليت أنا بعده، أن أرده على المسلمين، قالت: أنت وما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أعلم. قلت: في هذا الحديث عجب، لأنها قالت له: أنت ورثت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم أهله، قال: بل أهله، وهذا تصريح بأنه (صلى الله عليه وآله) موروث يرثه أهله، وهو خلاف قوله: لا نورث، وأيضا فإنه يدل على أن أبا بكر استنبط من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أن الله أطعم نبيا طعمة أن يجري رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند وفاته مجرى ذلك النبي (صلى الله عليه وآله)، أو يكون قد فهم أنه عني بذلك النبي المنكر لفظا نفسه، كما فهم من قوله في خطبته، أن عبدا خيره الله بين الدنيا وما عند ربه، فاختار ما عند ربه، فقال أبو بكر: بل نفديك بأنفسنا. * وأخبرنا أبو زيد، قال: أخبرنا القعنبي، قال: حدثنا عبد العزيز محمد، عن محمد بن عمر، عن أبي سلمة، أن فاطمة طلبت فدك من أبي بكر، فقال: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يقول: إن النبي لا يورث، من كان النبي يعوله فأنا أعوله. ومن كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ينفق عليه فأنا أنفق عليه، فقالت: يا أبا بكر، أيرثك بناتك ولا يرث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بناته؟ قال: هو ذاك.

(هامش)

(1) ابن أبي الحديد 16: 218. (2) ابن أبي الحديد 16: 219. (*)

ص 110

* أخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير، قال: حدثنا فضيل بن مرزوق، قال حدثنا البحتري بن حسان، قال: قلت لزيد بن علي (عليه السلام)، وأنا أريد أن أهجن أمر أبي بكر: إن أبا بكر انتزع فدك من فاطمة (عليها السلام) فقال: إن أبا بكر كان رجلا رحيما، وكان يكره أن يغير شيئا فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأتته فاطمة فقالت: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطاني فدك، فقال لها: هل لك على هذا بينة؟ فجاءت بعلي (عليه السلام) فشهد لها، ثم جاءت أم أيمن فقالت: ألستما تشهدان أني من أهل الجنة، قالا: بلى: قال أبو زيد: يعني أنها قالت لأبي بكر، وعمر، قالت: فأنا أشهد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطاها فدك، فقال أبو بكر: فرجل آخر وامرأة أخرى لتستحقي بها القضية، ثم قال أبو زيد: وأيم الله لو رجع الأمر إلي لقضيت فيها بقضاء أبي بكر. * وأخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا محمد بن الصباح، قال: حدثنا يحيى بن المتوكل أبو عقيل، عن كثير النوار، قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام): جعلني الله فداك، أرأيت أبا بكر، وعمر، هل ظلماكم من حقكم شيئا، أو قال: ذهبا من حقكم بشيء، فقال: لا، والذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيرا، ما ظلمنا من حقنا مثقال حبة من خردل، قلت: جعلت فداك أفأتولاهما، قال: نعم ويحك، تولهما في الدنيا والآخرة، وما أصابك ففي عنقي، ثم قال: فعل الله بالمغيرة وبنان، فأنهما كذبا علينا أهل البيت. أخبرنا أبو زيد قال: حدثنا عبد الله بن نافع، والقعنبي، عن مالك عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) أردن

(هامش)

(1) ابن أبي الحديد 16: 219. معجم البلدان 4: 239. الصواعق المحرقة الباب الثاني: 32. فدك: 51. الحديث مقدوح لوجود فضيل بن مرزوق الرقاشي فيه، قال النسائي: ضعيف. وقال ابن حبان في الثقات يخطئ، وقال في الضعفاء: كان يخطئ على الثقات، ويروي عن عطية العوفي الموضوعات. تهذيب التهذيب 7: 299. ميزان الاعتدال 3: 362. (*)

ص 111

لما توفي أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن، أو قال ثمنهن، قالت: فقلت لهن، أليس قد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لا نورث ما تركناه صدقة. * وأخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا عبد الله بن نافع، والقعنبي، وبشر بن عمر، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لا يقسم ورثتي دينارا ولا درهما، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عيالي فهو صدقة. قلت: وهذا حديث غريب، لأن المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلا أبو بكر وحده. * حدثنا أبو زيد، عن الخرامي، عن ابن وهب، عن يونس عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن الأعرج أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: والذي نفسي بيده لا يقسم ورثتي شيئا، ما تركت صدقة قال: وكانت هذه الصدقة بيد علي (عليه السلام)، غلب عليها العباس، وكانت فيها خصومتها، فأبى عمر أن يقسمها بينها حتى أعرض عنها العباس، وغلب عليها علي (عليه السلام)، ثم كانت بيد حسن، وحسين ابني علي (عليه السلام)، ثم كانت بيد علي بن الحسين (عليه السلام)، والحسن بن الحسن كلاهما يتداولانها، ثم بيد زيد بن علي (عليه السلام). * أخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا عثمان بن عمر بن فارس، قال: حدثنا يونس، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، أن عمر بن الخطاب

(هامش)

(1) ابن أبي الحديد 16: 22. (2) ابن أبي الحديد 16: 22. (3) اختلق أبو هريرة على النبي الأقدس (صلى الله عليه وآله وسلم) أحاديث كثيرة وكثيرة، كان الباعث له على هذا الدس الرخيص أموال معاوية بن أبي سفيان، وعلى أثر نجاحه في الكذب والاختلاق ولاه معاوية إمارة المدينة. (4) ابن أبي الحديد 16: 221. (*)

ص 112

دعاه يوما بعد ما ارتفع النهار، قال: فدخلت عليه وهو جالس على سرير رمال ليس بينه وبين الرمال فراش، على وسادة أدم فقال: يا مالك، إنه قد قدم من قومك أهل أبيات حضروا المدينة، وقد أمرت لهم برضخ فاقسمه بينهم، فقلت: يا أمير المؤمنين، مر بذلك غيري، قال: أقسم أيها المرء. قال: فبينما نحن على ذلك إذ دخل يرفأ. فقال: هل لك في عثمان، وسعد، وعبد الرحمن، والزبير، يستأذنون عليك؟ قال: نعم، فأذن لهم، قال: ثم لبث قليلا ثم جاء فقال: هل لك في علي، والعباس، يستأذنان عليكم؟ قال: ائذن لهما، فلما دخلا قال عباس: يا أمير المؤمنين اقضي بيني وبين هذا - يعني عليا - وهما يختصمان في الصوافي التي أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير، قال: فاستب علي، والعباس، عند عمر، فقال عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين، أقضي بينهما وأرح أحدهما من الآخر، فقال عمر: أنشدكم الله الذي تقوم بإذنه السموات والأرض، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا نورث ما تركناه صدقة، يعني نفسه، قالوا: قد قال ذلك، فأقبل على العباس، وعلي فقال: أنشدكما الله هل تعلمان ذلك؟ قال: نعم، قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن الله تبارك وتعالى خص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، في هذا الفئ بشيء لم يعطه غيره، قال تعالى: (ما أفاه الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير) وكانت هذه خاصة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فما اختارها دونكم، ولا أستأثر بها عليكم، لقد أعطاكموها وثبتها فيكم حتى بقي منها هذا المال، وكان ينفق منه على أهله سنتهم، ثم يأخذ ما بقي فيجعله فيما يجعل مال الله عز وجل، فعل ذلك في حياته ثم توفي. فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقبضه الله وقد عمل

(هامش)

(1) الرضخ هنا: المال. (2) الصوافي: الأملاك الواسعة. (3) سورة الحشر: 6. (*)

ص 113

فيها بما عمل به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنتما حينئذ، والتفت إلى علي، والعباس تزعمان أن أبا بكر فيها ظالم فاجر فاجر، والله يعلم أنه فيها لصادق باد راشد، تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر، فقلت: أنا أولى الناس بأبي بكر وبرسوله الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقبضتهما سنتين، أو قال سنين من إمارتي، أعمل فيها مثل ما عمل به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأبو بكر: ثم قال: وأنتما، وأقبل على العباس، وعلي، تزعمان أني فيها ظالم فاجر، والله يعلم أني فيها باد راشد، تابع للحق ثم جئتما في وكلمتكما واحدة وأمركما جميع فجئتني - يعني العباس - تسألني نصيبك من ابن أخيك، وجاءني في هذا - يعني عليا - يسألني نصيب امرأته من أبيها، فقلت لكما: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: لا نورث مما تركناه صدقة، فلما بدا لي أن أدفعها إليكما قلت: أدفعها على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأبو بكر، وبما عملت به فيها، وإلا فلا تكلماني، فقلتما: ادفعاه إلينا بذلك، فدفعتهما إليكما بذلك، أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك، والله الذي تقوم بإذنه السموات والأرض لا أقضي بينكما بقضاء غير هذا حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي فأنا أكفيكماها. * وحدثنا أبو زيد، قال: حدثنا إسحاق بن إدريس، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، قال، حدثني يونس، عن الزهري، قال: حدثني مالك بن أوس بن الحدثان بنحوه قال: فذكرت ذلك لعروة فقال: صدق مالك بن أوس، أنا سمعت عائشة تقول: أرسل أزواج النبي (صلى الله عليه

(هامش)

(1) من أين جاءت هذه الأولوية إلى عمر بن الخطاب دون غيره من الصحابة؟ (2) بناء على قول عمر فإنه خالف سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسنته في دفعه فدك إلى علي والعباس مع تصريحه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا نورث ما تركناه صدقة. (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) سورة الأحزاب: 36. (3) ابن أبي الحديد 15: 221. وفاء الوفا: 158.

ص 114

وآله وسلم) عثمان بن عفان، إلى أبي بكر يسألن لهن ميراثهن من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مما أفاء الله عليه حتى كنت أردهن عن ذلك، فقلت: ألا تتقين الله، ألم تعلمن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول: لا نورث ما تركناه صدقة، يريد بذلك نفسه، إنما يأكل آل محمد من هذا المال، فانتهى أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ما أمرتهن به. * وأخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن عليه، عن أيوب، عن عكرمة، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: جاء العباس، وعلي إلى عمر، فقال العباس: إقض بيني وبين هذا الكذا وكذا، أي يشتمه، فقال الناس: أفصل بينهما، فقال: لا أفصل بينهما قد علما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا نورث، ما تركناه صدقة. * وأخبرنا أبو زيد، قال: حدثني يحيى بن كثير أبو غسان، قال: حدثنا شعبة عن عمر بن مرة، عن أبي البختري، قال: جاء العباس، وعلي إلى عمر وهما يختصمان، فقال عمر لطلحة، والزبير، وعبد الرحمن، وسعد: أنشدكم الله، أسمعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: كل مال نبي فهو صدقة، إلا ما أطعمه أهله، إنا لا نورث، فقالوا: نعم، قال: وكان رسول الله يتصدق به، ويقسم فضله ثم توفي فوليه أبو بكر سنتين يصنع فيه ما كان يصنع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنتما

(هامش)

(1) ابن أبي الحديد 16: 223. وقال بعد ذكره الحديث، قلت: هذا مشكل، لأن الحديث الأول يتضمن أن عمر أقسم جماعة فيهم عثمان فقال: نشدتكم الله، ألستم تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا نورث ما تركناه صدقة، يعني نفسه فقالوا: نعم ومن جملتهم عثمان، فكيف يعلم بذلك فيكون مترسلا لأزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يسأله أن يعطهن الميراث. وها هنا إشكال آخر، وهو أن عمر ناشد عليا والعباس، هل تعلمان ذلك، فقالا: نعم، فإذا كانا يعلمانه فكيف جاء العباس وفاطمة إلى أبي بكر يطلبان الميراث على ما ذكره في خبر سابق على هذا الخبر. (2) ابن أبي الحديد 16: 226. (*)

ص 115

تقولان: أنه كان بذلك خاطئا، وكان بذلك ظالما، وما كان بذلك إلا راشدا. ثم وليته بعد أبي بكر فقلت لكما، إن شئتما قبلتماه على عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعهده الذي عهد فيه، فقلتما: نعم، وجئتما في الآن تختصمان، يقول هذا: أريد نصيبي من ابن أخي، ويقول هذا: أريد نصيبي من امرأتي، والله لا أقضي بينكما إلا بذلك. * وأخبرنا أبو زبيد عمر بن شبه، قال: حدثنا محمد بن يحيى، عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن الزهري، وعن عروة، عن عائشة أن أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسلن عثمان إلى أبي بكر، فذكر الحديث، قال عروة: وكانت فاطمة قد سألت ميراثها من أبي بكر. مما تركه النبي (صلى الله عليه وآله). فقال لها: بأبي أنت وأمي. وبأبي أبوك. وأمي ونفسي، إن كنت سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا، أو أمرك بشيء لم أتبع غير ما تقولين، وأعطيتك ما تبتغين، وإلا فإني أتبع ما أمرت به. * وحدثنا أبو زيد، قال: حدثنا عمرو بن مرزوق، عن شعبة عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: قال لها أبو بكر لما طلبت فدك: بأبي أنت وأمي، أنت عندي الصادقة الأمينة، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد إليك في ذلك عهدا، أو وعدك به وعدا، صدقتك وسلمت إليك، فقالت: لم يعهد إلي في ذلك بشيء، ولكن الله تعالى يقول: (يوصيكم الله في أولادكم) فقال: أشهد لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إنا معاشر الأنبياء لا نورث.

(هامش)

(1) ابن أبي الحديد 16: 227. معجم البلدان 4: 239 بلفظ آخر. (2) ابن أبي الحديد 16: 228. (3) سورة النساء: 11. (4) ابن أبي الحديد 16: 228. لم تفتقر فاطمة الزهراء (عليها السلام) في دعواها إلى بينة وشهود وعهد ووعد بعد أن صرح الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) على صدقها، وكان على أبي بكر الإتيان بالبينة والشهود، فقد روى أبو سعيد في شرف النبوة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي: أوتيت ثلاثا لم يؤتهم أحد ولا أنا، صهرا مثلي ولم أوت أنا مثلي، وأوتيت زوجة = (*)

ص 116

* وحدثنا أبو زيد، قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عبد الله الأنصاري، عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: سمعت عمر وهو يقول للعباس، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وطلحة، أنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إنا لا نورث، معاشر الأنبياء، ما تركنا صدقة؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدخل في فيئه أهله السنة من صدقاته، ثم يجعل ما بقي في بيت المال؟ قالوا: اللهم نعم، فلما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبضها أبو بكر، فجئت يا عباس تطلب ميراثك من ابن أخيك، وجئت يا علي، تطلب ميراث زوجتك من أبيها، وزعمتما أن أبا بكر كان فيها خائنا فاجرا، والله لقد كان امرءا مطيعا، تابعا للحق، ثم توفي أبو بكر فقبضتها، فجئتماني تطلبان ميراثكما، أما أنت يا عباس فتطلب ميراثك من ابن أخيك، وأما علي فيطلب ميراث زوجته من أبيها، وزعمتما أني فيها خائن فاجر، والله يعلم أني فيها مطيع تابع للحق فأصلحا أمركما، وإلا لم ترجع إليكما، فقاما وتركا الخصومة وأمضيت صدقة. قال أبو زيد: قال أبو غسان: فحدثنا عبد الرزاق الصنعاني، عن معمر بن شهاب، عن مالك بنحوه، وقال في آخره: فغلب علي، عباسا عليها، فكانت بيد علي، ثم كانت بيد الحسن، ثم كانت بيد الحسين، ثم

(هامش)

= صديقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة، وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من صلبي مثلهما، ولكنكم مني وأنا منكم. الرياض النضرة 2: 2 2. فضائل الخمسة 3: 148. عن عائشة آها كانت إذا ذكرت فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت: ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة منها إلا أن يكون الذي ولدها. وفي رواية بسنده عن عمرو بن دينار قال: قالت عائشة: ما رأيت أحد قط أصدق من فاطمة غير أبيها. مستدرك الصحيحين 3: 16. الإستيعاب 2: 751. حلية الأولياء 2: 41. (*)

ص 117

علي بن الحسين ثم الحسن بن الحسن، ثم زيد بن الحسن. * أخبرني أبو زيد عمر بن شبه، قال: حدثني هارون بن عمير، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثني صدقة بن أبي معاوية، عن محمد بن عبد الله، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، أن فاطمة (عليها السلام) أتت أبا بكر، فقالت: لقد علمت الذي ظلمتنا عنه أهل البيت من الصدقات، وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى، ثم قرأت عليه قوله تعالى: (واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) الآية، فقال لها أبو بكر: بأبي أنت وأمي ووالد ولدك، وأنا أقرأ من كتاب الله الذي تقرئين منه، ولم يبلغ علمي منه أن هذا السهم من الخمس يسلم إليكم كاملا، قالت: أفلك هو ولأقربائك؟ ثم قال: لا، بل أنفق عليكم منه، وأصرف الباقي في مصالح المسلمين. قالت: ليس هذا حكم الله تعالى، قال: هذا حكم الله، فإن كان رسول الله عهد إليك في هذا عهدا أو أوجبه لكم حقا صدقتك وسلمته كله إليك وإلى أهلك، قالت: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يعهد إلي في ذلك بشيء، إلا أني سمعته يقول لما أنزلت هذه الآية: أبشروا آل محمد فقد جاءكم الغنى. قال أبو بكر: لم يبلغ علمي من هذه الآية أن أسلم إليكم هذا السهم كله كاملا، ولكن لكم الغنى الذي يغنيكم، ويفضل عنكم، وهذا عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، فاسأليهم عن ذلك، وانظري هل يوافقك على ما طلبت أحد منهم، فانصرفت إلى عمر، فقالت له مثل ما قالت لأبي بكر، فقال لها مثل ما قاله لها أبو بكر، فعجبت فاطمة (عليها السلام) من ذلك، وظنت أنهما كانا قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه.

(هامش)

(1) ابن أبي الحديد 16: 229. (2) سورة الأنفال: 41. (3) ابن أبي الحديد 16: 23. (*)

ص 118

* أخبرنا أبو زيد قال: حدثنا هارون بن عمير، قال: حدثنا الوليد، عن ابن أبي لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: أرادت فاطمة أبا بكر على فدك، وسهم ذوي القربى، فأبى عليها، وجعلها في مال الله تعالى. * وأخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا أحمد بن معاوية، عن هيثم، عن جويبر، عن أبي الضحاك، عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أن أبا بكر منع فاطمة وبني هاشم سهم ذوي القربى، وجعله في سبيل الله في السلاح والكراع. * أخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا مروان بن هلال، عن محمد بن يزيد بن ذريع، عن محمد بن إسحاق، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، قلت: أرأيت عليا حين ولي العراق وما ولي من أمر الناس كيف صنع في سهم ذوي القربى، قال: سلك بهم طريق أبي بكر، وعمر، قلت: وكيف، ولم، وأنتم تقولون ما تقولون قال: أما والله ما كان أهله يصدون إلا عن رأيه، فقلت: فما منعه؟ قال: كان يكره أن يدعى عليه مخالفة أبي بكر، وعمر. * وحدثني المؤمل بن جعفر، قال: حدثني محمد بن ميمون، عن داود بن المبارك، قال: أتينا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن بن الحسين، ونحن راجعون من الحج في جماعة، فسألناه عن مسائل. وكنت أحد من سأله، فسألته عن أبي بكر، وعمر فقال: سأل جدي عبد الله بن الحسن بن الحسن عن هذه المسألة، فقال: كانت أمي صديقة بنت نبي مرسل، فماتت وهي غضبى على إنسان، فنحن غضاب لغضبها، وإذا رضيت رضينا.

(هامش)

(1) ابن أبي الحديد 16: 23. (2) ابن أبي الحديد 16: 231. (3) ابن أبي الحديد 16: 231. (4) ابن أبي الحديد 16: 231. لقد ثبتت عصمة فاطمة (عليها السلام) بإجماع الأمة على ذلك بصورة مطلقة والدليل على = (*)

ص 119

* وحدثني أبو جعفر محمد بن القاسم، قال: حدثني علي بن الصباح، قال: أنشدنا أبو الحسن رواية المفضل للكميت: أهوى عليا أمير المؤمنين ولا * أرضى بشتم أبي بكر ولا عمرا ولا أقول وإن لم يعطيا فدكا * بنت النبي ولا ميراثها كفرا الله يعلم ماذا يحضران به يوم * القيامة من عذر إذا اعتذرا قال ابن الصباح: فقال لي أبو الحسن: أتقول إنه قد كفرهما في هذا الشعر، قلت: نعم، قال: كذاك هو. * حدثنا أبو زيد: عن هارون بن عمير، عن الوليد بن مسلم، عن إسماعيل بن عباس، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن مولى ابن هاني، قال: دخلت فاطمة على أبي بكر بعد ما استخلف، فسألته عن ميراثها من أبيها، فمنعها، فقالت له: لئن مت اليوم من كان يرثك؟ قال: ولدي وأهلي، قالت: فلم ورثت أنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، دون ولده وأهله؟ قال: فما فعلت يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قالت: بلى، إنك عهدت إلى فدك، وكانت صافية لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأخذتها وعهدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا، فقال: يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لم أفعل حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أن الله تعالى يطعم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الطعمة ما كان حيا، فإذا قبضه الله إليه رفعت، فقالت: أنت ورسوله

(هامش)

= هذا قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). ولا خلاف بين نقلة الآثار أن فاطمة (عليها السلام) كان من أهل هذه الآية، وذهاب الرجس عن أهل البيت الذين عنوا بالخطاب يوجب عصمتهم ولإجماع الأمة أيضا على قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من آذى فاطمة فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل. الفصول المختارة: 56. فضائل الخمسة 3: 151. (1) الهاشميات: 83. (2) ابن أبي الحديد 16: 232. (*)

ص 120

أعلم، ما أنا بسائلتك بعد مجلسي، ثم انصرفت. * وحدثنا محمد بن زكريا، قال: حدثنا محمد عبد الرحمن المهلبي، عن عبد الله بن حماد بن سليمان، عن أبيه، عن عبد الله بن حسن بن حسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين (عليها السلام)، قالت: لما اشتد بفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوجع وثقلت في علتها، اجتمع عندها نساء من نساء المهاجرين والأنصار، فقلن لها: كيف أصبحت يا ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قالت: والله أصبحت عائفة لدنياكم، قالية لرجالكم، لفظتهم بعد أن عجمتهم وشنئتهم بعد أن سبرتهم فقبحا لفلول الحد وخور القناة، وخطل الرأي، وبئسما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون لا جرم قد قلدتهم ربقتها، وشنت عليهم غارتها، فجدعا وعقرا، وسحقا للقوم الظالمين، ويحهم أين زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الأمين، والطيبين بأمر الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين، وما الذي نقموا من أبي الحسن، نقموا والله نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله، وتالله لو تكافؤا عن زمام نبذه إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لاعتلقه، ولسار إليهم سيرا سمجا، لا تكلم حشاشته، ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلا نميرا فضفاضا يطفح ضفتاه، ولأصدرهم بطانا قد تحير بهم الرأي، غير متحل بطائل، إلا بغمر الناهل، وروعة سورة الساغب، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون، ألا هلم فاستمع وما عشت أراك الدهر عجبه، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث، إلى أي لجأ استندوا، وبأي عروة تمسكوا، لبئس

(هامش)

(1) ابن أبي الحديد 16: 232. (2) عائفة لدنياكم: أي قالية لها كارهة. (3) عجمتهم: بلوتهم وخبرتهم. (4) شنئتهم: أبغضتهم. (5) سبرتهم: علمت أمورهم. (6) سورة المائدة: 8. (*)

ص 121

المولى ولبئس العشير، ولبئس للظالمين بدلا، استبدوا والله الذنايي بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغما لمعاطس قوم يحبسون أنهم يحسنون صنعا، (ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) ويحهم (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون). * أما لعمري الله لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلموها طلاع العقب دما عبيطا وذعاقا ممقرا هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب ما أسس الأولون، ثم طيبوا عن أنفسكم نفسا، واطمئنوا للفتنة جأشا، وابشروا بسيف صارم، وخرج شامل، واستبداد من الظالمين يدع فيكم زهيدا، وجمعكم حصيدا، فيا حسرة عليكم، وأنى لكم وقد عميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون، والحمد لله رب العالمين، وصلاته على محمد خاتم النبيين، وسيد المرسلين.

تولية عثمان الوليد ابن عقبة الكوفة

 * حدثنا عمر بن شبه، قال: حدثني عبد العزيز بن محمد بن حكيم، عن خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد عن أبيه. قال: لم يكن يجلس مع عثمان على سريره إلا العباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن حرب، والحكم بن أبي العاص، والوليد بن عقبة، ولم يكن سريره يسع إلا عثمان وواحدا منهم، فأقبل الوليد يوما فجلس، فجاء الحكم بن العاص فأومأ عثمان إلى الوليد، فرحل له عن مجلسه، فلما قام الحكم قال الوليد: والله يا أمير المؤمنين لقد تلجلج في صدري بيتان قلتهما حين رأيتك آثرت ابن عمك على ابن أمك، وكان الحكم عم عثمان، والوليد أخاه لأمه، فقال عثمان: إن الحكم شيخ قريش، فما البيتان، فقال: رأيت لعم المرء زلفى قرابة دوين أخيه حادثا لم يكن قدما فأملت عمرا أن يشب وخالدا لكي يدعواني يوم نائبة عما

(هامش)

(1) سورة البقرة: 12. (2) سورة يونس: 35. (3) سورة الحديد 16: 233. كشف الغمة 1: 492. (*)

ص 122

يعني عمرا وخالدا ابني عثمان، قال: فرق له عثمان، وقال: لقد وليتك الكوفة فأخرجه إليها. * حدثني عمر بن شبه، قال: حدثني بعض أصحابنا عن ابن دأب، قال: لما ولي عثمان، الوليد بن عقبة الكوفة قدمها وعليها سعد بن أبي وقاص، فأخبر بقدومه ولم يعلم أنه قد أمر، فقال: وما صنع قالوا: وقف في السوق فهو يحدث الناس هناك، ولسنا ننكر شيئا من أمره، فلم يلبث أن جاءه نصف النهار فاستأذن على سعد، فأذن له فسلم عليه بالأمرة، وجلس معه فقال له سع: ما أقدمك يا أبا وهب، قال: أأبيت زيارتك، قال: وعلى ذلك أجئت بريدا، قال: أنا أرزن من ذلك، ولكن القوم احتاجوا إلى عملهم فسرحوني إليه، وقد استعملني أمير المؤمنين على الكوفة، فسكت سعد طويلا ثم قال: لا والله ما أدري أصلحت بعدنا أم فسدنا بعدك، ثم قال: كليني وجريني ضباع وأبشري بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره فقال الوليد: أما والله لأنا أقول للشعر منك، وأروى له، ولو شئت لأجبتك، ولكني أدع ذلك لما تعلم، نعم والله لقد أمرت بمحاسبتك، والنظر إلى أمر عمالك، ثم بعث إلى عمال سعد فحبسهم وضيق عليهم، فكتبوا إلى سعد يستغيثون به، فكلمه فيهم، فقال له: أو للمعروف عندك موضع؟ قال: نعم فخلى سبيلهم. * وحدثني عمر بن شبه، عن أبي بكر الباهلي، عن هشيم، عن العوام بن حوشب، قال: لما قدم الوليد على سعد قال له سعد: والله ما أدري كست بعدنا أم جمعتنا بعدك، وقال: لا تجزعن يا أبا إسحاق، فإنه الملك يتغداه قوم، ويتعشاه آخرون، فقال سعد: أراكم والله ستجعلونه ملكا.

(هامش)

(1) ابن أبي الحديد 17: 227. (2) ابن أبي الحديد 17: 228. (3) ابن أبي الحديد 17: 229. (*)

ص 123

* وحدثني عمر بن شبه، قال: حدثني هارون بن معروف، عن ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب قال: صلى الوليد بأهل الكوفة الغداة أربع ركعات، ثم التفت إليهم فقال: أزيدكم، فقال عبد الله بن مسعود: ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم. * حدثنا عمر بن شبه، قال: حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا جرير، عن الأجلح، عن الشعبي قال: قال الحطيئة يذكر الوليد: شهد الحطيئة يوم يلقى * ربه أن الوليد أحق بالغدر نادى وقد تمت صلاتهم * أأزيدكم سكران ولم يدر فأبوا أبا وهب ولو أذنوا * لقرنت بين الشفع والوتر كفوا عنانك إذ جريت ولو * تركوا عنانك لم تزل تجري وقال الخطيئة أيضا: تلكم في الصلاة وزاد فيها * علانية وأعلن بالنفاق ومج الخمر في سنن المصلي * ونادى والجميع إلى افتراق أزيدكم على أن تحمدوني * فما لكم وما لي من خلاق * حدثنا عمر بن شبه، عن المدائني، عن مبارك بن سلام، عن فطر بن خليفة، عن أبي الضحى، قال: كان ناس من أهل الكوفة يتطلبون عثرة الوليد بن عقبة، منهم أبو زينب الأزدي، وأبو مورع، فجاءا يوما ولم يحضر الوليد الصلاة، فسألا عنه، فتلطفا حتى علما أنه يشرب، فاقتحما الدار فوجداه يقئ، فاحتملاه وهو سكران حتى وضعاه على سريره، وأخذا خاتمه من يده، فأفاق فافتقد خاتمه، فسأل عنه أهله، فقالوا: لا ندري، وقد

(هامش)

(1) أبو عبد الرحمن عبد الله بن شوذب الخراساني البلخي سكن البصرة ثم بيت المقدس مات سنة أربع وأربعين ومائة 144 ه‍ تهذيب التهذيب 5: 255. (2) ابن أبي الحديد 17: 229. العقد الفريد 8: 55. الإمامة والسياسة 1: 35. الكامل 4: 1 7. (3) أبو مليكة جرول ابن أوس العنسي المتوفى 59 شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام له ديوان شعر مطبوع. (4) ابن أبي الحديد 17: 229 - 23. (*)

ص 124

رأينا رجلين دخلا عليك فاحتملاك فوضعاك على سريرك، فقال: صفوهما لي، فقالوا: أحدهما آدم طوال حسن الوجه، والآخر عريض مربوع، عليه خميصة فقال: هذا أبو زينب، وهذا أبو مورع. قال: ولقي أبو زينب وصاحبه عبد الله بن حبيش الأسدي، وعلقمة بن يزيد البكري وغيرهما فأخبروهم فقالوا: اشخصوا إلى أمير المؤمنين فأعلموه، وقال بعضهم: إنه لا يقبل قولكم في أخيه، فشخصوا إليه، فقالوا: إنا جئناك في أمر، ونحن مرجوه إليك من أعناقنا، وقد قيل: أنك لا تقبله قال: وما هو؟ قالوا: رأينا الوليد وهو سكران من خمر شربها، وهذا خاتمه أخذناه من يده وهو لا يعقل: فأرسل عثمان إلى علي (عليه السلام) فأخبره، فقال: أرى أن تشخصه، فإذا شهدوا عليه بمحضر منه حددته، فكتب عثمان إلى الوليد، فقدم عليه، فشهد عليه أبو زينب، وأبو مورع، وجندب الأزدي، وسعد بن مالك الأشعري، فقال عثمان، لعلي (عليه السلام): قم يا أبا الحسن فاجلده، فقال علي (عليه السلام) للحسن ابنه، قم فاضربه، فقال الحسن: ما لك ولهذا، يكفيك غيرك، فقال علي لعبد الله بن جعفر: قم فاضربه، فضربه بمخصرة فيما سير له رأسان، فلما بلغ أربعين قال: حسبك. * حدثنا عمر بن شبه، قال: حدثني المدائني، عن الوقاصي، عن الزهري، قال: خرج رهط من أهل الكوفة إلى عثمان في أمر الوليد، فقال: أكلما غضب رجل على أميره رماه بالباطل، لئن أصبحت لكم لأنكلن بكم، فاستجاروا بعائشة، وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا وكلاما فيه بعض الغلظة فقال: أما يجد فساق العراق ومراقها ملجأ إلا بيت عائشة، فسمعت فرفعت نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقالت: تركت سنة صاحب

(هامش)

(1) الأدم: الأسمر. (2) الخميصة: كساء أسود مربع له علمان. (3) المخصرة: ما اختصره الإنسان بيده فأمسكه من عصا مقرعة أو عكازة. (4) ابن أبي الحديد 17: 232. الكامل 3: 1 6. (*)

ص 125

هذا النعل. وتسامع الناس فجاءوا حتى ملئوا المسجد، فمن قائل: قد أحسنت، ومن قائل: ما للنساء ولهذا، حتى تخاصموا، وتضاربوا بالنعال، ودخل رهط من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على عثمان فقالوا له: إتق الله ولا تعطل الحدود، واعزل أخاك عنهم ففعل. * حدثني عمر بن شبه، عن المدائني، عن أبي محمد الناجي، عن مطر الوراق، قال: قدم رجل من أهل الكوفة إلى المدينة فقال لعثمان: إني صليت صلاة الغداة خلف الوليد، فالتفت في الصلاة إلى الناس، فقال: أأزيدكم، فإني أجد اليوم نشاطا، وشممنا منه رائحة الخمر، فضرب عثمان الرجل، فقال الناس: عطلت الحدود وضربت الشهود * حدثنا أبو زيد عمر بن شبه، حدثنا أبو بكر الباهلي، عن بعض من حدثه قال: لما شهد على الوليد عن عثمان يشرب الخمر كتب إليه يأمره بالشخوص، فخرج وخرج معه قوم يعذرونه، منهم عدي بن حاتم الطائي، فنزل الوليد يوما يسوق بهم، فارتجز وقال: لا تحسبنا قد نسينا الأحقاف * والنشوات من معتق صاف وعزف قنيات علينا غراف فقال عدي: فأين تذهب بنا إذن، فأقم. * وروى أبو زيد عمر بن شبه، عن رجاله، عن الشعبي، عن جندب الأزدي، قال: كنت فيمن شهد على الوليد عند عثمان، فلما استتممنا عليه الشهادة حبسه عثمان، ثم ذكر باقي الخبر وضرب علي (عليه السلام) إياه، وقول الحسن ابنه: ما لك ولهذا، وزاد فيه، وقال علي (عليه السلام): لست أزن مسلما وقال: من المسلمين.

(هامش)

(1) ابن أبي الحديد 17: 232. (2) ابن أبي الحديد 17: 233 (3) ابن أبي الحديد 17: 233. (4) ابن أبي الحديد 17: 233. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

السقيفة وفدك

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب