السقيفة وفدك

الصفحة السابقة

السقيفة وفدك

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 126

* أخبرني أبو زيد عمر بن شبه، عن رجاله: أن الشهادة لما تمت قال عثمان، لعلي (عليه السلام): دونك ابن عمك فأقم عليه الحد، فأمر علي (عليه السلام) ابنه الحسن (عليه السلام)، فلم يفعل، فقال: يكفيك غيرك، فقال علي (عليه السلام): بل ضعفت ووهنت وعجزت، قم يا عبد الله بن جعفر فاجلده، فقام فجلده، وعلي (عليه السلام) يعد حتى بلغ أربعين، فقال له علي (عليه السلام): أمسك حسبك، جلد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وكملها عمر ثمانين، وكل سنة. * وحدثني عمر بن شبه، عن عبد الله بن محمد بن حكيم، عن خالد بن سعيد، قال: وأخبرني بذلك أيضا إبراهيم بن محمد بن أيوب، عن عبد الله بن مسلم، قالوا جميعا: لما ضرب عثمان الوليد الحد، قال: إنك لتضربني اليوم بشهادة قوم ليقتلنك عاما قابلا. * حدثني عمر بن شبه، عن عبد الله بن محمد بن حكيم، عن خالد بن سعيد، وأخبرني أيضا إبراهيم بن محمد بن أيوب، عن عبد الله، قالوا جميعا: كان أبو زيد الطائي نديما للوليد بن عقبة أيام ولايته الكوفة، فلما شهدوا عليه بالسكر من الخمر خرج عن الكوفة معزولا، فقال أبو زبيد يتذكر أيامه وندامته: من يرى العير لابن أروى * على ظهر المروي حداتهن عجال ناعجات والبيت بيت أبي * وهب خلاء تحن فيه الشمال يعرف الجاهل المضلل أن * الدهر فيه النكراء والزلزال ليت شعري كذاكم العهد أم * كانوا أناسا كمن يزول فزالوا بعد ما تعلمين يا أم عمرو * كان فيه عز لنا وجمال ووجوه تودنا مشرقات * ونوال إذا أريد النوال

(هامش)

(1) ابن أبي الحديد 17: 234. الأغاني 4: 179. الإمامة والسياسة 1: 37. الكامل 3: 1 6 (2) ابن أبي الحديد 17: 234. الأغاني 4: 179. (3) ابن أروى: الوليد بن عقبة، وأروى هي أم عثمان بن عفان (*)

ص 127

أصبح البيت قد تبدل * بالحي وجوها كأنها الأقيال كل شيء يحتال فيه الرجال * غير أن ليس للمنايا احتيال ولعمر الإله لو كان * للسيف معناه وللسان مقال ما تناسيتك الصفاء ولا الود * ولا حال دونك الأشغال ولحرمت لحمك المتعضى * ضله ضل حلمهم ما اغتالوا قولهم شربك الحرام وقد * كان إلا مقال ما لا يقال من رجال تقارضوا منكرات * لينالوا الذي أرادوا فنالوا غير ما طالبين ذحلا ولكن * مال دهر على أناس فمالوا من يخنك الصفاء أو يتبدل أو * يزل مثل ما يزول الظلال فاعلمن أنني أخوك الود * حياتي حتى تزول الجبال ليس بخلي عليك يوما بمال * أبدا ما أقل نعلا قبال ولك النصر باللسان وبالكف * إذا كان لليدين مصال * حدثني عمر بن شبه، قال: لما قدم الوليد بن عقبة الكوفة، قدم عليه أبو زبيد فأنزله دار عقيل بن أبي طالب على باب المسجد، وهي التي تعرف بدار القبطي، فكان ما احتج به عليه أهل الكوفة أن أبا زبيد كان يخرج إلى من داره وهو نصراني يخترق المسجد فيجعله طريقا. * حدثنا عمر بن شبه، عن رجاله عن الوليد، قال: لما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم، فيدعوا لهم

(هامش)

(1) الأقيال: الملوك الحميريون. (2) المتعضي: المتقطع، المتفرق. (3) قبال النعل: زمام بني الأصبع والتي تليها. (4) ابن أبي الحديد 17: 234. الأغاني 4: 18. (5) أبو زبيد حرملة بن منذر ويقال: المنذر بن حرملة بن معد يكرب بن حنظلة الطائي الشاعر، لم يسلم مات على النصرانية وعاش مائة وخمسين سنة واستعمله عمر على صدقات قومه، له شعر. الإصابة 4: 8. (6) ابن أبي الحديد 17: 235. الأغاني 4: 18. (*)

ص 128

بالبركة، ويمسح يده على رؤوسهم، فجئ بي إليه وأنا مخلق، فلم يمسني وما منعه إلا أن أمي خلقتني بخلوق، فلم يمسني من أجل الخلوق. * وحدثني عمر بن شبه، عن محمد بن حاتم، عن يونس بن عمر، عن شيبان، عن يونس، عن قتادة، في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) قال: هو الوليد بن عقبة بعثه النبي (صلى الله عليه وآله) مصدقا إلى بني المصطلق، فلا رأوه أقبلوا نحوه فهابهم، فرجع إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له: أنهم ارتدوا عن الإسلام، فبعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خالد بن الوليد، فعلم علمهم وأمره أن يثبت، وقال له: إنطلق ولا تعجل، فانطلق حتى أتاهم ليلا، وأنفذ عيونه نحوهم، فلما جاؤه أخبروه أنهم متمسكون بالإسلام، وسمعوا آذانهم، وصلاتهم، فلما أصبح أتاهم فرأى ما يعجبه، فرجع إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره، فنزلت هذه الآية. * أخبرني عمر بن شبه، عن عبد الله بن موسى، عن نعيم بن حكيم، عن أبي مريم، عن علي (عليه السلام)، أن امرأة الوليد بن عقبة جاءت إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، تشتكي إليه الوليد، وقالت: إنه يضربها، فقال لها: ارجعي إليه وقولي له: أن رسول الله قد أجارني، فانطلقت، فمكثت ساعة، ثم رجعت فقال: إنه ما أقلع عني، فقطع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هدبة من ثوبه وقال: إذهبي بها إليه وقولي له: أن رسول الله قد أجارني، فانطلقت فمكثت ساعة ثم رجعت فقالت: ما زادني إلا ضربا، فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده ثم قال: اللهم عليك بالوليد مرتين أو ثلاثا.

(هامش)

(1) ابن أبي الحديد 17: 238. الأغاني 4: 182. (2) سورة الحجرات: 6. (3) ابن أبي الحديد 17: 238. الأغاني 4: 182. أسباب النزول: 261. أسد الغابة 5: 9. لباب النقول: 28. الإستيعاب 4: 62. الدر المنثور 6: 87. (3) ابن أبي الحديد 17: 24. الأغاني 4: 183. (*)

ص 129

* وروى عمر بن شبه، عن رجاله، أن جنديا لما قتل الساحر حبسه الوليد، فقال له دينار بن دينار: فيم حبست هذا، وقد قتل من أعلن بالسحر في دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم مضى إليه فأخرجه من الحبس، فأرسل الوليد إلى دينار بن دينار فقتله. * روى حجاج بن نصير، عن قوة، عن محمد بن سيرين، قال: انطلق بجندب بن كعب الأزدي قاتل الساحر بالكوفة إلى السجن، وعلى السجن رجل نصراني من قبل الوليد، وكان يرى جندب بن كعب يقوم بالليل ويصبح صائما، فوكل بالسجن رجلا، ثم خرج فسأل الناس عن أفضل أهل الكوفة، فقالوا: الأشعث بن قيس، فاستضافه، فجعل يراه ينام الليل ثم يصبح فيدعو بغدائه، فخرج من عنده وسأل: أي أهل الكوفة أفضل؟ فقالوا: جرير بن عبد الله، فذهب إليه فوجده ينام الليل ثم يصبح فيدعو بغدائه، فاستقبل القبلة وقال: ربي رب جندب، وديني دين جندب، ثم أسلم. * وحدثنا عمر بن شبه، عن المدائني، قال: قدم الوليد بن عقبة الكوفة في أيام معاوية زائرا للمغيرة بن شعبة، فأتاه أشراف الكوفة فسلموا عليه، وقالوا: والله ما رأينا بعدك مثلك. فقال: أخيرا أم شرا، فقالوا: بل خيرا. قال: ولكني ما رأيت بعدكم شرا منكم، فأعادوا الثناء عليه، فقال: بعض ما تأتون به، فوالله إن بغضكم لتلف، وإن حبكم لصلف. * وروى عمر بن شبه، أن قبيصة بن جابر كان ممن كثر على الوليد،

(هامش)

(1) الأغاني 4: 183. ابن أبي الحديد 17: 24. (2) أبو محمد حجاج بن نصير البصري القيسي مات 144 كان شيخا صدوقا روى عن فطر بن خليفة والمسعودي وقرة بن خالد وورقاء وعدة. تهذيب التهذيب 2: 2 8. ميزان الاعتدال 1: 465. (3) أبو محمد قرة بن خالد السدوسي البصري المتوفى 154 حافظ ثقة كان متقنا ضابطا. تهذيب التهذيب 8: 371. الشذرات 1: 337. (4) ابن أبي الحديد 17: 241. الأغاني 4: 184. (5) ابن أبي الحديد 17: 243. الأغاني 4: 184. (*)

ص 130

فقال معاوية يوما والوليد وقبيصة عنده: يا قبيصة ما كان شأنك وشأن الوليد؟ قال: خير يا أمير المؤمنين، إنه في أول الأمر وصل الرحم، وأحسن الكلام، فلا تسأل عن شكر وحسن ثناء، ثم غضب على الناس وغضبوا عليه، وكنا معهم، فإما ظالمون فنستغفر الله، وإما مظلومون فيغفر الله له، فخذ في غير هذا يا أمير المؤمنين، فإن الحديث ينسي القديم، قال معاوية: ما أعلمه ألا قد أحسن السيرة، وبسط الخير، وقبض الشر، قال: فأنت يا أمير المؤمنين اليوم أقدر على ذلك فافعله، فقال: اسكت لأسكت، فسكت وسكت القوم، فقال معاوية بعد يسير: ما لك لا تتكلم يا قبيصة؟ قال: نهيتني عما كنت أحب، نسكت عما لا أحب. * حدثني محمد بن زكريا الغلابي، عن عبد الله بن الضحاك، عن هشام بن محمد، عن أبيه قال: وفد الوليد بن عقبة، وكان جوادا، إلى معاوية فقيل له: هذا الوليد بن عقبة بالباب، فقال: والله ليرجعن مغيظا غير معطى، فإنه الآن قد أتانا يقول: علي دين وعلي كذا، إئذن له، فأذن له، فسأله وتحدث معه، ثم قال له معاوية: أما والله إن كما لنحب إتيان مالك بالوادي، ولقد كان يعجب أمير المؤمنين، فإن رأيت أن تهبه ليزيد فافعل، قال هو ليزيد، ثم خرج وجعل يختلف إلى معاوية، فقال له يوما أنظر يا أمير المؤمنين في شأني، فإن علي مؤونة، وقد أرهقني دين، فقال له: ألا تستحي لنفسك وحسبك، تأخذ ما تأخذه فتبذره، ثم لا تنفك تشكو دينا، فقال الوليد: إفعل ثم انطلق من مكانه فسار إلى الجزيرة وقال: يخاطب معاوية: فإذا سألت تقول: لا * وإذا سألت تقول: هات تأبى فعال الخير لا تروي * وأنت على الفرات أفلا تميل إلى نعم أو ترك * - لا - حتى الممات وبلغ معاوية شخوصه إلى الجزيرة فخافه، وكتب إليه أقبل، فكتب:

(هامش)

(1) ابن أبي الحديد 17: 243. (*)

ص 131

أعف واستعفي كما قد أمرتني * فاعط سواي ما بدا لك وأبخل سأحدو ركابي عنك إن عزيمتي * إذا نابني أمر كمله منصل وإني امرؤ للنأي مني تطرب * وليس شبا قفل علي بمقفل ثم رحل إلى الحجاز، فبعث إليه معاوية بجائزة.

في الشعر والشعراء

 * حدثني عمر بن شبه، عن هارون بن عمر، عن أيوب بن سويد، عن يحيى بن زياد، عن عمر بن عبد الله الليثي، قال: قال عمر بن الخطاب ليلة في مسيره إلى الجابية: أين عبد الله بن عباس، فأتى به، فشكا إليه تخلف علي بن أبي طالب (عليه السلام) عنه، قال ابن عباس: فقلت له: أولم يعتذر إليك؟ قال: بلى، قلت: فهو ما اعتذر به، قال: ثم أنشأ يحدثني فقال: إن أول من راثكم؟ عن الأمر أبو بكر، إن قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة، فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووقفت، فقلت: يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت، فقال: تكلم يا ابن عباس، فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووقفت، فلو أن قريشا اختارت لأنفسها حيث اختار الله عز وجل لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود، وأما قولك إنهم كرهوا أن تكون لنا النبوة والخلافة فإن الله عز وجل وصف قوما بالكراهية فقال: ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم فقال عمر: هيهات والله يا ابن عباس، فقد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أفرك عنها فتزيل منزلتك مني، فقلت: وما هي يا أمير المؤمنين، فإن كانت حقا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك، وإن كانت باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه. فقال عمر: بلغني أنك تقول، إنما صرفوها حسدا وظلما، فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين ظلما فقد تبين للجاهل والحليم، وأما قولك حسدا فإن

(هامش)

(1) ابن أبي الحديد 17: 243. الأغاني 4: 187. (2) سورة محمد: 9. (*)

ص 132

إبليس حسد آدم، فنحن ولده المحسودون، فقال عمر: هيهات أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا ما يحول، وضغنا وغشا ما يزول، فقلت: مهلا يا أمير المؤمنين لا تصب قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بالحسد والغش فإن قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قلوب بني هاشم، فقال عمر: إليك عني يا ابن عباس، فقلت: أفعل، فلما ذهبت لأقوم استحياء مني، فقال يا ابن عباس، مكانك فوالله إني لراع لحقك محب لما سرك، فقلت يا أمير المؤمنين، إن لي عليك حقا وعلى كل مسلم فمن حفظه فحظه أصاب، ومن أضاعه فحظه أخطأ ثم قام فمضى. * حدثنا عمر بن شبه، قال: حدثنا عبد الله بن عمرو القيسي، قال: حدثنا خارجة بن عبد الله بن أبي سفيان، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: خرجت مع عمر في أول غزوة غزاها، فقال لي ليلة: يا ابن عباس، أنشدني لشاعر الشعراء، قلت من هو؟ قال: ابن أبي سلمى، قلت: ولم صار كذلك، قال: لأنه لا يتبع حواشي الكلام، ولا يعاظل في منطقه، ولا يقول إلا ما يعرف، ولا يمدح الرجل إلا بما فيه، أليس هو الذي يقول: إذا ابتدرت قيس بن عيلان غاية * إلى المجد من يسبق إليها يسود سبقت إليها كل طلق مبرز * سبوا إلى الغايات غير مزند قال: أي لا يحتاج إلى أن بجلد الفرس بالسوط. كفعل جواد يسبق الخيل عفوه * السراع وإن يجهد ويجهدن يبعد فلو كان حمدا يخلد الناس لم تمت * ولكن حمد الناس ليس بمخلد أنشدني له، فأنشدته حتى برق الفجر، فقال: حسبك الآن، اقرأ القرآن، قلت: ما أقرأ؟ قال: الواقعة، فقرأتها ونزل فأذن وصلى. * حدثنا عمر بن شبه، قال: حدثني أبو نعيم، قال شريك، عن مجالد عن الشعبي، عن ربعي بن حراش، قال: قال لنا عمر: يا معشر غطفان، من الذي يقول:

(هامش)

(1) ابن أبي الحديد 2: 16. (2) المصدر السابق 2: 16. (*)

ص 133

أتيتك عاريا خلقا ثيابي * على خوف تظن بن الظنون قلنا: النابغة، قال: ذاك أشعر شعرائكم. * حدثني عمر بن شبه، قال: حدثنا عبيد بن جناد، قال: حدثنا معن بن عبد الرحمن، عن عيسى بن عبد الرحمن السلمي، عن جده، عن الشعبي، قال: قال عمر يوما: من أشعر الشعراء؟ فقيل له: أنت أعلم يا أمير المؤمنين، قال: من الذي يقول: إلا سليمان إذ قال المليك له * قم في البرية فاحددها عن الفند وخيس الجن إني قد أذنت * لهم يبنون تدمر بالصفاح والعمد قالوا: النابغة، قال: فمن ذا الذي يقول: أتيتك عاريا خلقا ثيابي * على خوف تظن بي الظنون قالوا: النابغة، قال: فمن ذا الذي يقول: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة * وليس وراء الله للمرء مذهب لئن كنت قد بلغت عني خيانة * لمبلغك الواشي أغش وأكذب قالوا: النابغة، قال: فهو أشعر العرب. * حدثنا عمر بن شبه، قال: حدثني علي بن محمد المدائني، قال: قام رجل إلى ابن عباس، فقال له: أي الناس أشعر؟ قال: أخبره يا أبا الأسود، فقال أبو الأسود الذي يقول: فإنك كالليل الذي هو مدركي * وإن خلت أن المنتأى عنك واسع يعني النابغة. * أخبرني عمر بن شبه، عن أبي بكر العليمي، عن الأصمعي، قال:

(هامش)

(1) ابن أبي الحديد 2: 161. (2) ابن أبي الحديد 2: 161. (3) المصدر السابق. (4) نفس المصدر. (5) ابن أبي الحديد 2: 16. (*)

ص 134

كان يضرب للنابغة قبة أدم بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها، فأنشده مرة الأعشى، ثم حسان بن ثابت، ثم قوم من الشعراء، ثم جاءت الخنساء فأنشدته: وإن صخرا لتأتم الهداة به * كأنه علم في رأسه نار فقال: لولا أن أبا بصير - يعني الأعشى - أنشدني آنفا لقلت: إنك أشعر الأنس والجن، فقام حسان بن ثابت، فقال: أنا والله أشعر منها ومنك ومن أبيك، فقال له النابغة: يا ابن أخي، أنت لا تحسن أن تقول: فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن * خلت أن المنتأى عنك واسع خطاطيف حجن في جلال * متينة تمد بها أيد إليك نوازع قال: فخنس حسان لقوله. * أخبرني عمر، عن الأصمعي، عن أبي عمرو بن العلاء، قال: حدثني رجل سماه أبو عمرو، وأنسيته، قال: بينما نحن نسير بين إنقاء من الأرض، فتذاكرنا الشعر، فإذا راكب أطيلس بقول: أشعر الناس زياد بن معاوية ثم تملس فلم نره. * أخبرني عمر بن شبه، عن الأصمعي، قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: ما ينبغي لزهير إلا أن يكون أجيرا للنابغة. * أخبرنا عمر بن شبه، قال: قال عمرو بن المنتشر المرادي: وفدنا على عبد الملك بن مروان، فدخلنا عليه، فقام رجل فاعتذر من أمر وحلف عليه، فقال له عبد الملك: ما كنت حريا أن تفعل ولا تعتذر، ثم أقبل على أهل الشام فقال: أيكم يروي اعتذار النابغة إلى النعمان في قوله: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة * وليس وراء الله للمرء مذهب

(هامش)

(1) الخطاطيف: جمع خطاف، حديدة تستخرج بها الدلاء، نوازع: جواذب. (2) ابن أبي الحديد 2: 16. وخنس: انقبض. (3) الانقاء: القطعة من الرمل. وأطيلس تصغير أطلس، وهو ما في لونه غيره إلى السواد. (4) ابن أبي الحديد 2: 161. (5) ابن أبي الحديد 2: 161. (*)

ص 135

فلم يجد فيهم من يرويه، فأقبل علي وقال: أترويه؟ قلت: نعم فأنشدته القصيدة كلها، فقال: هذا أشعر العرب. * وأخبرني عمر، عن معاوية بن بكر الباهلي، قال: قلت لحماد الرواية: لم قدمت النابغة؟ قال: لاكتفائك بالبيت الواحد من شعره، لا بل بنصف البيت، لا بل بربع البيت، مثل قوله: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة * وليس وراء الله للمرء مذهب ولست بمستبق أخا لا تلمه * على شعث أي الرجال المهذب ربع البيت يغنيك عن غيره، فلو تمثلت به لم يحتج إلى غيره. * أخبرني عمر بن شبه، عن هارون بن عبد الله الزبيري، قال: حدثني شيخ يكنى أبا داود عن الشعبي، قال: دخلت على عبد الملك وعنده الأخطل وأنا لا أعرفه، وذلك أول يوم وفدت في من العراق على عبد الملك، فقلت حين دخلت: عامر بن شراحيل الشعبي يا أمير المؤمنين، فقال: على علم ما أذنا لك، فقلت: هذه واحدة على وافد أهل العراق، - يعني أنه أخطأ - قال: ثم أن عبد الملك سأل الأخطل: من أشعر الناس؟ فقال: أنا، فجعلت وقلت لعبد الملك، من هذا يا أمير المؤمنين؟ فتبسم، وقال: الأخطل، فقلت في نفسي: اثنتان على وافد أهل العراق، فقلت له: أشعر منك الذي يقول: هذا غلام حسن وجهه * مستقبل الخير سريع التمام للحارث الأكبر والحارث * الأصغر فالأعرج خير الأنام ثم لعمرو ولعمرو  وقد * أسرع في الخيرات منه أمام قال: هي إمامة أم عمرو الأصغر بن المنذر بن امرئ القيس بن النعمان بن الشقيقة: خمسة آباء هم ما هم أفضل * من يشرب صوب الغمام

(هامش)

(1) ابن أبي الحديد 2: 161. (2) ابن أبي الحديد 2: 161. (*)

ص 136

والشعر للنابغة، فالتفت إلي الأخطل، فقال: إن أمير المؤمنين إنما سألني عن أشعر أهل زمانه، ولو سألني عن أشعر أهل الجاهلية كنت حريا أن أقول كما قلت: أو شبيها به، فقلت في نفسي: ثلاث على وافد أهل العراق. * * *

(هامش)

(1) ابن أبي الحديد 2: 162. (*)

ص 137

الملحقات

ص 139

ذكر ابن أبي الحديد في المجلد 16: 221 خطبة الصديقة الطاهرة الزهراء (عليها السلام) باختصار نقلا عن كتاب - السقيفة وفدك - غير أن أبا الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي، ذكر الخطبة برمتها من المرجع نفسه في كتابه - كشف الغمة - 1: 48 وإتماما للفائدة فقد نقلتها هنا مع ما تقدم بعض نصوص الخطبة. قال أبو الحسن الأربلي قبل ذكره الخطبة ما نصه: وحيث انتهى بنا القول إلى هنا. فلنذكر خطبة فاطمة (عليها السلام)، فإنها من محاسن الخطب وبدايعها، عليها مسحة من نور النبوة، وفيها عبقة من أرج الرسالة، وقد أوردها المؤالف والمخالف، ونقلتها من كتاب السقيفة عن عمر بن شبة، تأليف أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، من نسخة قديمة مقروءة على مؤلفها المذكور، قرأت عليه في ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة (322)،

خطبة الزهراء كاملة

 روي عن رجاله من عدة طرق، أن فاطمة (عليها السلام) لما بلغها إجماع أبي بكر على منعها - فدكا - لاثت خمارها وأقبلت في لميمة من حدفتها ونساء قومها، تجر أدراعها تطأ في ذيولها، ما تخرم من مشية رسول الله (ص) حتى دخلت على أبي بكر، وقد حشد المهاجرين والأنصار، فضرب بينهم بريطه بيضاد - وقيل قبطية - فأنت أنت أجهش لها القوم بالبكاء، ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم. ثم قالت (عليها السلام):

ص 140

ابتدئ بحمد من هو أولى بالحمد، والطول والمجد، الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر بما ألهم، والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان منن أولاها جم عن الإحصاء عددها، ونأى عن المجازاة مزيدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها واستتب الشكر بفضائلها واسحذى الخلق بإنزالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وأمر بالندب إلى أمثالها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها وضمن القلوب موصولها وأبان في الفكر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام الإحاطة به أبدع الأشياء لا من شيء كان قبله، وأنشأها بلا احتذاء مثله وسماها بغير فائدة زادته إلا إظهارا لقدرته، وتعبدا لبريته وإعزازا لأهل دعوته، ثم جعل الثواب لأهل طاعته ووضع العذاب على أهل معصيته، زيادة لعباده عن نقمته وحياشة لهم إلى جنته، وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله اختاره قبل أن يجتباه، واصطفاه قبل أن يبتعثه، وسماه قبل أن يستجيبه إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهايل مضمونة وبنهايا العدم مقرونة علما منه بمايل الأمور وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة منه بمواقع المقدور، وابتعثه إتماما لعلمه وعزيمته على إمضاء حكمه، وإنفاذ المقادير حقه

(هامش)

(1) السبوغ: الكمال. والألاى: النعماء، أسدي إليه: أحسن. أولاها: أي تابعها بإعطاء نعمة بعد أخرى بلا فصل. (2) جم: كثير. (3) نأي: بعد، وفي بعض النسخ: ونأى عن الجزاء أمدها. (4) في نسخة: أمدها. (5) استتب الأمر: اطرد واستقام واستمر. (6) استخذى: خضع وذل. واستحمد: أي يطلب منه الحمد. (7) جعل الأعمال كلها خالصة لله تعالى. (8) في البحار: بلا احتذاء أمثلة امتثلها، واحتذى مثاله: أي اقتدى به. (9) في نسخة: وإعزازا لدعوته ثم جعل الثواب على طاعته. (1) في نسخة: مصونة. (11) أي عواقبها، وفي نسخة: مآل الأمور، بصيغة المفرد. (12) في عبادة: لأمره. (13) في نسخة البحار: ختمه. (*)

ص 141

فرأى (صلى الله عليه وآله) الأمم فرقا في أديانها، وعابدة لأوثانها، عكفا على نيرانها منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله بأبي (صلى الله عليه وآله) ظلمها، وفرج عن القلوب بهمها، وجلا عن الأبصار عممها، ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار رغبة محمد (صلى الله عليه وآله) عن تعب هذه الدار، موضوعا عنه أعباء الأوزار، محفوفا بالملائكة الأبرار، ورضوان الرب الغفار، وجوار الملك الجبار، فصلى الله عليه، أمينه على الوحي وخيرته من الخلق، ورضيه (عليه السلام) ورحمة الله وبركاته. ثم قالت (عليها السلام): وأنتم عباد الله نصب أمره ونهيه، وحملة كتاب الله ووحيه، أمناء الله على أنفسكم وبلغاءه إلى الأمم حولكم. لله فيكم عهد قدمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم كتاب الله بينة بصائره، وآي منكشفة سرائره. وبرهان فينا متجلية ظواهره، مديما للبرية استماعه، قائدا إلى الرضوان أتباعه، ومؤديا إلى النجاة أشياعه فيه تبيان حجج الله المنيرة، ومواعظه المكرورة، ومحارمه المحذورة، وأحكامه الكافية، وبيناته الجالية، وجمله الكافية، رائعه وش المكتوبة، ورخصه الموهوبة، ففرض الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها لكم من الكبر، والزكاة تزييدا لكم في الرزق، والصيام تبيينا امامتنا، والحج تسنية للدين والعدل تنسكا للقلوب وطاعنا نظاما للملة، وإمامتنا لما للفرقة، والجهاد عن الإسلام، والصبر مؤنة للاستجاب، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، والبر بالوالدين وقاية من السخطة، وصلة الأرحام منسأة للعمر ومنماة للعدد، والقصاص حقنا للدماء. والوفاء بالنذور تعريضا للمغفرة، وتوفية المكائيل والموازين تغييرا للبخسة،

(هامش)

(1) في نسخة: ومؤد إلى النجاة استماعه. (2) في نسخة: تثبيتا أي تشييد الاخلاص وإبقائه. (3) أي سببا لرفعة الدين وعلوه. وفي بعض الروايات - تشييدا - وفي أخرى - تسلية -. (4) في نسخة: على الاستيجاب أي استيجاب الأجر كما في ساير الروايات إذ به يتم فعل الطاعات وترك السيئات. (*)

ص 142

واجتناب قذف المحصنات حجابا من اللعنة، والاجتناب عن شرب الخمور تنزيها من الرجس، ومجانبة السرقة إيجابا للعفة، والتنزه عن أكل أموال الأيتام والاستيثار بفيئهم إجارة من الظلم، والعدل في الأحكام إيناسا للرعية، والتبري من الشرك إخلاصا للربوبية، فاتقوا الله حق تقاته، وأطيعوه فيما أمركم به فإنما يخشى الله من عباده العلماء. ثم قالت (عليها السلام): أنا فاطمة بنت محمد أقول عودا على بدء، وما أقول ذلك سرفا ولا شططا فاسمعوا إلي بأسماع واعية وقلوب راعية، (ولقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) فإن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم وآخا ابن عمي دون رجالكم، فبلغ الرسالة صادعا بالرسالة ناكبا عن سنن مدرجة المشركين، ضاربا لثجهم آخذا بأكظامهم، داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة. يجز الأصنام، وينكت المهام حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، وحتى تفرى الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محصنه، ونطق زعيم الدين وخرست شقاشق الشياطين، وفهتم بكلمة الإخلاص مع النفر البيض الخماص (الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) وكنتم على شفا حفرة

(هامش)

(1) سورة فاطر: 28. (2) في نسخة: أنا فاطمة وأبي محمد. (3) السرف: الجهل - الشطط: البعد عن الحق ومجاوزة الحد في كل شيء. (4) سورة التوبة: 28. (5) في عبارة: دون آبائكم. (6) في رواية: النذارة. (7) جذذت الشيء: كسرته وقطعته. (8) الهام: رأس كل شيء، وفي نسخة: ويغلق الهام. (9) الخماص: بالكسر، تطلق على دقة البطن خلقة وعلى خلوه من الطعام. (1) سورة الأحزاب: 32 وأجمعت كلمة أئمة التفسير والحديث أن الآية نزلت في علي أمير المؤمنين وفاطمة الصديقة والحسن السبط والحسين الشهيد (عليهم السلام) وهم المراد من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كفاية الطالب: 54. صحيح مسلم 4: 1883. (*)

ص 143

من النار فأنقذكم منها مقذفة الشارب ولهزة الطامع، دقبة العجلان، وموطأة الأقدام، تشربون الطراق وتقتاتون القد، أذلة خاشعين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله بنبيه (صلى الله عليه وآله) بعد اللتيا والتي، وبعد أن منى بهم الرجال وذؤبان العرب كلما حشوا نارا للحرب أطفأها الله، ونجم قرن الضلالة ونفر فاغر من المشركين قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدودا دؤبا في ذات الله، وأنتم في رفهينة ورفغينة وادعون آمنون تتوكفون الأخبار وتنكصون عن النزال، فلما اختار الله لنبيه (صلى الله عليه وآله) دار أنبيائه وأتم عليه ما وعده، ظهرت حسيكة النفاق، وسمل جلباب الإسلام فنطق كاظم، ونبغ خامل، وهدر فينق الكفر، يخطر في عرصاتكم، فأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم فوجدكم لدعائه مستجيبين، وللغرة فيه ملاحظين، واستنهضكم فوجدكم خفافا، واحمثكم فوجدكم غضابا، هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل فوسمتم غير إبلكم، وأوردتموها شربا ليس لكم، والرسول لما يقبر بدار، أزعمتم خوف الفتنة (ألا في الفتنة سقطوا، وإن جنهم لمحيطة بالكافرين) فهيهات منم وكيف بكم وأنى تؤفكون وكتاب الله جل وعز بين أظهركم قائمة فرائضه واضحة دلائله، نيرة شرايعه، زواجره واضحة، وأوامره

(هامش)

عن عائشة. أسباب النزول: 239. ذخائر العقبى: 21. تفسير الطبري 22: 8. المستدرك 3: 2 8 شواهد التنزيل 2: 1. فضائل الخمسة 1: 224. (1) الطرق: ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتبعر. (2) في نسخة: حتى أنقذكم برسوله. (3) ذؤبان العرب: صعاليكها الذي يتلصصون. (4) حسيكة وحساكة: العداوة والظعن. (5) السمل: خلق. (6) لم تمض على وفاة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أو يومان حتى حلت الرزية وكانت فاجعة السقيفة وجريمة - فدك - النكراء. (7) سورة التوبة: 49. (8) وفي نسخة: وإني بكم. (*)

ص 144

لايحة، أرغبة عنه تريدون، أم بغيره تحكمون (بئس للظالمين بدلا، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). هذا ثم لم تبرحوا رثيا - وقال بعضهم: هذا ولم يرشوا أختها الأريث - أن تسكن نفرتها وميلس قيادها، ثم أخذتم توردن وقدتها، تتهيجون جمرتها، تشربون حسوا في ارتغاء وتمشون لأهله وولده في الخمر والضراء، ونصبر منكم على مثل جزى المدى - ووخز السنان في الحشاء ثم أنتم أولاء تزعمون أن لا أرث لي، أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم، يقول الله جل ثناؤه: (وورث سليمان داود) اختص من خبر يحيى وزكريا إذ قال (رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربي رضيا) وقال تبارك وتعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) فزعمتم أن لا حظ لي ولا إرث لي من أبيه. أفحكم الله بآية أخرج أبي منها، أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون). أيها معاشر المسلمة أو أبتز ارثيه، أألله أن ترث أباك ولا أرث أبيه، (لقد جئتم شيئا فريا) فدونكها مرحولة محظومة مزمومة تلقاك يوم

(هامش)

(1) سورة آل عمران: 85. (2) مثل يضرب لمن يفعل في الباطن شيئا ويظهره غيره. (3) الوخز: الطعن لا يكون نافذا. (4) سورة النحل: 16. (5) سورة مريم: 6. (6) سورة النساء: 11. (7) الهاء للسكت وكذا في ما يأتي في قولها: أرثيه. (8) سورة المائدة: 5. (9) في نسخة: يا ابن أبي قحافة أترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا. (1) الرحل للناقة كالسرج للفرس، والخطام كل ما يوضع في أنفت البعير ليقاد به، والضمير راجع إلى - فدك -. (*)

ص 145

حشرك فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون وما توعدون، (ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم). ثم التفتت إلى قبر أبيها (صلى الله عليه وآله) متمثلة بقول هند ابنة أثاثة: قد كان بعدك أنباء وهنبئة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وإبلها واختل قومك لما غبت وانقلبوا أبدت رجال لنا فحوى صدورهم لما قضيت وحالت دونك الترب وزاد في بعض الروايات هنا: ضاقت علي بلادي بعد ما رحبت وسيم سبطاك خسفا فيه لي نصب فليت قبلك كان الموت صادفنا قوم تمنوا فأعطوا كلما طلبوا تجهمتنا رجال واستخف بنا مذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب قال: فما رأيت باكية وباك منه يومئذ، ثم عدلت إلى مسجد الأنصار فقالت: يا معشر البقية، ويا عماد الملة، وحصنة الإسلام، ما هذه الفترة في حقي والسنة عن ظلماتي؟ أما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يحفظني ولده، سرعان ما أحدثتم عجلان ذا أهالة، أتزعمون مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخطب جليل استوسع وهنه، واستهتر فتقه، وفقد راتقه، وأظلمت الأرض له، واتأبت لخيرة لله، وخشعت الجبال، وأكدت الآمال وأضيع الحريم، وارملت الحرمة، فتلك نازلة أعلن بها في كتاب الله في قبلتكم - أفنيتكم - ممساكم ومصبحكم هتافا هتافا، ولقلبه ما حلت بأنبياء الله ورسله، (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات

(هامش)

(1) سورة الزمر: 4. (2) في بعض النسخ: مذ غبت عنا وكل الإرث قد غصبوا. (3) أكدت: بخلت. (*)

ص 146

أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين). أيها بني قبلة أهضم تراث أبيه، وأنتم بمرأى وبمسمع، تكبسكم الدعوة، ويشملكم الخبرة وفيكم العدة والعدد، ولكم الدار والجنن، وأنتم الأولى نخبة الله التي انتخبت، وخيرته التي اختارت لنا أهل البيت، فباديتم العرب وبادهتم الأمور، وكافحتم إليهم، لا نبرح وتبرحون، نأمركم فتأتمرون حتى دارت لكم بنا رحى الإسلام، ودر حلب البلاد، وخبت نيران الحرب، وسكنت فورة الشرك، وهدت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين، فأنى جرتم بعد البيان، ونكصتم بعد الإقدام عن قوم نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم. وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر أنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون (ألا تقاتلوا قوما نكثوا إيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين). ألا وقد أرى والله قد أخلدتم إلى الخفض، وركنتم إلى الدعة فمحجتم الذي أوعيتم ولفظتم الذي سوغتم، (فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد). ألا وقد قلت الذي قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم وخور القناة وضعف اليقين، ولكنه فيضه النفس، ونفئة الغيظ، وبثة الصدر، ومعذرة الحجة، فدونكموها فاحتبقوها مدبرة الظهر، ناقبة الخف باقية العار، موسومة بشنار الأبد، موصولة ب‍ (نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، إنها

(هامش)

(1) سورة آل عمران: 144. (2) بنو قيلة: الأوس والخزرج، لأن اسم أمهم قيلة بنت كاهل. (3) قال المجلسي: المراد بالدعوة: نداء المظلوم للنصرة، والخبرة علمهم بمظلوميتها (عليها السلام). (4) سورة التوبة: 13. (5) سورة إبراهيم: 8. (6) خامرتكم: أي خالطتكم. والخور: الضعف. قال المجلسي: لعل المراد بخور القنا ضعف النفس عن الشرة وكتمان الضر. (*)

ص 147

عليهم موصدة) فبعين الله ما تفعلون، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) وأنا بنت نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعلموا إنا عاملون وانظروا إنا منتظرون.

 وروي أنه لما حضرت فاطمة صلى الله عليها الوفاة، دعت عليا (عليه السلام) فقالت: أمنفذ أنت وصيتي وعهدي، أو والله لأعهدن إلى غيرك، فقال (عليه السلام): بلى أنفذها، فقالت (عليها السلام): إذا أنا مت فادفني ليلا ولا تؤذنن بي أبا بكر وعمر، قال: فلما اشتدت عليها اجتمع إليها نساء من المهاجرين والأنصار فقلن: كيف أصبحت يا ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: أصبحت والله عائفة لدنياكم. وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقد سأله أبو نصير فقال: لم لم يأخذ أمير المؤمنين فدكا لما ولي الناس، ولأي علة تركها؟ فقال: لأن الظالم والمظلومة قدما على الله وجازى كلا على قدر استحقاقه، فكره أن يسترجع شيئا قد عاقب الله عليه الغاصب وأثاب المغصوبة. وقد روي أنه كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) في ترك فدك أسوة برسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنه لما خرج من مكة باع عقيل داره فلما فتح مكة قيل له: يا رسول الله ألا ترجع إلى دارك؟ فقال (عليه السلام): وهل ترك لنا عقيل دارا وأبى أن يرجع إليها، وقال: إنا أهل بيت لا نسترجع ما أخذ منا في الله عز وجل. وروي مرفوعا، أن عمر بن عبد العزيز لما استخلف قال: أيها الناس

(هامش)

(1) سورة الهمزة: 6. (2) سورة الشعراء: 227. (3) كشف الغمة 1: 481 وقال بعد نقله الخطبة: هذه الخطبة نقلتها من كتاب السقيفة وكانت النسخة مع قدمها مغلوطة فحققها من مواضع أخر. (4) صاحب السقيفة، حسبما نقل عن الإربلي ولم يذكره ابن أبي الحديد في نقله عن السقيفة. (5) كشف الغمة 1: 494. (6) المصدر السابق. (7) كشف الغمة 1: 494. (*)

ص 148

إني قد رددت عليكم مظالمكم وأول ما أردنها ما كان في يدي من فدك على ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وولد علي بن أبي طالب، فكان أول من ردها. وروي أنه ردها بغلاتها منذ ولي، فقيل له: نقمت على أبي بكر، وعمر فعلهما، فطعنت عليهما ونسبتهما إلى الظلم والغصب، وقد اجتمع عنده في ذلك قريش ومشايخ أهل الشام من علماء السوء فقال عمر بن عبد العزيز: قد صح عندي وعندكم أن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ادعت فدك وكانت في يدها، وما كانت لتكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع شهادة علي، وأم اليمن، وأم سلمة وفاطمة عندي صادقة فيما تدعي، وإن لم تقم البينة، وهي سيدة نساء أهل الجنة، فأنا اليوم أردها على ورثتها أتقرب بذلك إلى رسول الله، وأرجو أن تكون فاطمة، والحسن، والحسين، يشفعون لي في يوم القيامة، ولو كنت بدل أبي بكر، وادعت فاطمة كنت أصدقها على دعواتها، فسلمها إلى محمد بن علي الباقر (عليهم السلام)، وعبد الله بن الحسن، فلم تزل في أيديهم إلى أن مات عمر بن عبد العزيز. وروي أنه لما صارت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز، رد عليهم سهام الخمس، سهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسهم ذي القربى، وهما من أربعة أسهم رد على جميع بني هاشم، وسلم ذلك إلى محمد بن علي الباقر (عليهما السلام)، وعبد الله بن الحسن.

(هامش)

(1) كشف الغمة 1: 495. (2) المصدر السابق. (*)

 

الصفحة السابقة

السقيفة وفدك

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب