ص 36
وضدها (الحياء)، وهو انحصار النفس وانفعالها من ارتكاب المحرمات الشرعية والعقلية
والعادية حذرا من الذنب واللوم، وهو أعم من التقوى، إذ التقوى اجتناب المعاصي
الشرعية، والحياء يعم ذلك واجتناب ما يقبحه العقل والعرف أيضا، فهو من شرائف الصفات
النفسية، ولذا ورد في فضله ما ورد، قال الصادق (ع): (الحياء من الإيمان، والإيمان
في الجنة). وقال (ع): (الحياء والعفاف والعي - أعنى عي اللسان لا عي القلب - من
الإيمان). وقال (ع): (الحياء والإيمان مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه
صاحبه). وقال (ع): (لا إيمان لمن لا حياء له). ثم حقيقة الحياء - كما عرفت - هو
الانفعال عن ارتكاب ما يذم شرعا أو عقلا أو عرفا، فالانفعال عن غير ذلك حمق، فإن
الانفعال عن تحقيق أحكام الدين أو الخمود عما ينبغي شرعا وعقلا لا يعد حياء بل
حمقا، ولذا قال رسول الله (ص): (الحياء حياءان: حياء عقل وحياء حمق، فحياء العقل هو
العلم وحياء الحمق هو الجهل) (36). ومنها:
• الإصرار على المعصية 
رجوع رذيلة الإصرار
إلى أي القوى وذمها - ضد الإصرار التوبة وتعريفها - هل يشترط في التوبة القدرة على
الذنب السابق؟ - وجوب التوبة - تحقيق في وجوبها - عموم وجوبها - لا بد من العمل
بعدها فضيلتها - قبولها - طريقة التوبة من المعاصي - تكفير الصغائر ومعنى الكبائر -
الصغائر قد تكون كبائر - شروط كمال التوبة - هل يصح التبعيض فيها؟ - أقسام التأبين
- 0 مراتب التوبة - عدم الثقة بالاستقامة لا يمنع من التوبة - علاج الإصرار على
الذنوب - الإنابة - المحاسبة والمراقبة - المعنى الظاهر لهما حاسبوا أنفسكم قبل أن
تحاسبوا - مقامات مرابطة الفعل للنفس.
(هامش)
(36) صححنا الأحاديث هنا على أصول الكافي (باب الأحياء). (*)
ص 37
وهو إما ناشئ من رداءة إحدى القوتين وخروجها عن إطاعة العاقلة أو عن رداءتها معا،
فيكون من رذائل القوتين، وكل ما يدل على ذم مطلق المعصية أو على ذم خصوص أفرادها
المعينة يدل على ذم الإصرار على المعصية بطريق أولى وأوكد. والأخبار الواردة في ذم
خصوص أفراد المعاصي ربما يظفر بجملة منها في هذا الكتاب عند ذكر كل معصية، وما
الأخبار الواردة في ذم مطلق الذنب والمعصية فكثيرة جدا، كقول النبي (ص): (ما من يوم
طلع فجره ولا ليلة غاب شفقها إلا وملكان يناديان بأربعة أصوات، يقول أحدهما: يا ليت
هذا الخلق لم يخلقوا، ويقول الآخر: يا ليتهم إذ خلقوا علموا لماذا خلقوا فيقول
الآخر: فيا ليتهم إذ لم يعلموا لماذا خلقوا عملوا بما علموا، فيقول الآخر: ويا
ليتهم إذ لم يعملوا بما علموا تابوا مما عملوا. واعلموا أن العبد ليحبس على ذنب من
ذنوبه مائة عام، وإنه لينظر إلى أزواجه في الجنة يتنعمن). وقال أمير المؤمنين (ع):
(لا تبدين عن واضحة وقد عمتك الأعمال الفاضحة، ولا تأمن البيات وقد عملت السيئات).
وقال الباقر (ع): (إن الله قضى قضاء حتما ألا ينعم على العبد بنعمة فيسلبها إياه
حتى يحدث العبد ذنبا يستحق بذلك النقمة) وقال (ع): (ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة،
إن القلب ليواقع الخطيئة، فما يزال به حتى يغلب عليه، فيصير أعلاه أسفله). وقال
(ع): (إن العبد ليذنب الذنب فيزوى عنه الرزق). وقال الصادق (ع): (يقول الله - تعالى
-: إن أدنى ما أصنع بالعبد إذا آثر شهوته على طاعتي أن أحرمه لذيذ مناجاتي). وقال
(ع): (من هم بسيئة فلا يعملها، فإنه ربما عمل العبد السيئة فيراه الرب - تعالى -
فيقول: وعزتي وجلالي! لا أغفر لك بعد ذلك أبدا). وقال (ع): (أما إنه ليس من عرق
يضرب، ولا نكبة ولا صداع ولا مرض، إلا بذنب، وذلك قول الله - عز وجل - في كتابه:
(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير) (37). قال (ع): وما يعفوا
الله أكثر مما يؤاخذ به). وقال (ع): (أن الرجل يذنب الذنب فيحرم صلاة الليل، وإن
العمل السئ أسرع في صاحبه
(هامش)
(37) الشورى، الآية: 30 (*)
ص 38
من السكين في اللحم) وقال الكاظم (ع): (حق على الله ألا يعصى في دار إلا أضحاها
للشمس حتى يطهرها) 38. والأخبار في هذا المعنى أكثر من أن تحصى، ولا يتوهم أحد أنه
يمكن ألا يصل إليه أثر الذنب ووباله، فإن هذا محال. فإنه لم يتجاوز عن الأنبياء في
تركهم الأولى. يتجاوز عن غيرهم في كبائر المعاصي. نعم، كانت سعادتهم في أن عوجلوا
بالعقوبة ولم يؤخروا إلى الآخرة، والأشقياء يمهلون ليزدادوا إثما، ويعذبوا في
الآخرة عذابا أكبر وأشد، أما سمعت أن أباك آدم قد أخرج من الجنة بتركه الأولى؟ حتى
روي: (أنه لما أكل الشجرة تطايرت الحلل عن جسده وبدت عورته، وجاء جبرئيل (ع) وأخذ
التاج من رأسه وخلا الإكليل عن جنبيه، ونودي من فوق العرش إهبطا من جواري، فإنه لا
يجاورني من عصاني فالتفت آدم إلى حواء باكيا، وقال: هذا أول شؤم المعصية، أخرجنا من
جوار الحبيب). وروي: (أنه - تعالى - قال: يا آدم! أي جار كنت لك؟ قال: نعم الجار يا
رب! قال يا آدم! أخرج من جواري وضع عن رأسك كرامتي، فإنه لا يجاورني من عصاني). وقد
روي: (أن آدم بكى على ذنبه مائتي سنة، حتى قبل الله توبته وتجاوز عما ارتكبه من ترك
الأولى). فإن كانت مؤاخذته في نهي تنزيهه مع حبيبه وصفيه هكذا، فكيف معاملته مع
الغير في ذنوب لا تحصى.
وصل التوبة وتعريفها 
ضد الإصرار (التوبة)، وهي الرجوع من
الذنب القولي والفعلي والفكري، وبعبارة أخرى: هي تنزيه القلب عن الذنب والرجوع من
البعد إلى القرب، وبعبارة أخرى: ترك المعاصي في الحال والعزم على تركها في
الاستقبال وتدارك ما سبق من التقصير. وكما أن الإصرار على العصيان من رذائل قوتي
الغضب والشهوة، فالرجوع عنه وتركه من فضائلهما، بمعنى
(هامش)
(38) صححنا الأحاديث هنا على أصول الكافي (باب الذنوب) (*)
ص 39
أن العزم على ترك كل معصية يكون من عمل كليهما أو إحداهما، ومن فعل النفس بإعانتهما
وانقيادهما للعاقلة، وأن كان الباعث على الرجوع وتهيج النفس والقوتين على مباشرة
الرجوع والترك هو معرفة عظم ضرر الذنوب، وكونها حجابا بين العبد وبين المحبوب،
ويمكن أن يقال: إن التوبة هو الرجوع عن الذنب، وهو من ثمرات الخوف والحب، فإن مقتضى
الحب أن يمتثل مراد المحبوب ولا يعصى في شيء مما يريده ويطلب من الحب، فتكون من
فضائل القوتين أيضا. ويمكن أن يقال: أن التوبة عبارة عن مجموع العلم بضرر الذنوب،
وكونها حجابا بينه وبين الله والندم الحاصل منه، والقصد المتعلق بالترك حالا
واستقبالا، والتلافي للماضي والندم، والقصد بالترك والتلافي من فعل القوتين أو فعل
النفس بواسطة القوتين وانقيادهما للعاقلة، والعلم المذكور من العاقلة، فتكون التوبة
من فضائل القوى الثلاث. وتوضيح حقيقة التوبة: أنه إذا علم العبد علما يقينيا أن ما
صدر عنه من الذنوب حائلة بينه وبين محابه، ثار من هذا العلم تألم القلب بسبب فوات
المحبوب، وصار متأسفا على ما صدر عنه من الذنوب، سواء كانت أفعالا أو تروكا
للطاعات، ويسمى تألمه - بسبب فعله أو تركه المفوت لمحبوبه - ندما. وإذا غلب هذا
الندم على القلب، انبعثت منه حالة أخرى تسمى إرادة وقصدا إلى فعل له تعلق بالحال
بترك الذنب الذي كان ملابسا له، وبالاستقبال بعزمه على ترك الذنب المفوت لمحبوبه
إلى آخر عمره، وبالماضي بتلافيه ما فات بالجبر والقضاء. فالعلم - أعني اليقين بكون
الذنوب سموما مهلكة - هو الأول، وهو مطلع البواقي، إذ مهما أشرق نور هذا اليقين على
القلب أثمر نار الندم على الذنب، فيتألم به القلب، حيث ينظر بإشراق نور الإيمان
واليقين أنه صار محجوبا عن محبوبه، كمن يشرق عليه نور الشمس وقد كان في ظلمة، فيسطع
النور عليه بانقشاع سحاب أو انحسار حجاب، فيرى محبوبه قد أشرف على الهلاك، فتشتعل
نيران الحب في قلبه وتنبعث بتلك النيران إرادته للانتهاض للتدارك. فالعلم، والندم،
والقصد المتعلق بالترك في الحال والاستقبال والتلافي للماضي: ثلاثة معاني مرتبة في
ص 40
الحصول، يطلق أسم (التوبة) على مجموعها. وربما أطلقت التوبة على مجرد الندم، وجعل
العلم كالسابق والمقدمة، والترك كالثمرة والتابع للمتأخر، وإلى هذا الاعتبار يشير
قوله (ص): (الندم توبة)، إذ لا يخلو الندم عن علم أوجبه وأثمره، أو عن عزم يتبعه
ويتلوه، فيكون الندم محفوفا بطرفيه، أعني ثمرته ومثمره 0 وبهذا الاعتبار قيل في
حدها: إنها ذوبان الحشا لما سبق من الخطأ، أو نار في القلب تلتهب وصدع في الكبد لا
ينشعب، وربما أطلقت على مجرد ترك الذنوب حالا والعزم على تركها استقبالا، وبهذا
الاعتبار قيل في حدها: إنها خلع لباس الجفاء ونشر بساط الوفاء، وإنها تبديل الحركات
المذمومة بالحركات المحمودة، أو إنها ترك اختيار الذنب حالا وتوطين القلب وتجريد
العزم على عدم العود إليه استقبالا. وعلى هذا لا يكون الندم داخلا في حقيقة التوبة
وقد صرح بعض الأعاظم بخروجه عنها، محتجا بأن الندم - وهو تألم القلب وحزنه على
الذنب - غير مقدور، ولذا ترى تقع الندامة على أمور في قلبه وهو يريد ألا يكون ذلك
فلا يكون الندم مقدورا، وأنما المقدور تحصيل أسبابه، أعني الإيمان والعلم بفوات
المحبوب وتحقيقها في قلبه. وعلى هذا فلا يكون الندم من التوبة، إذ التوبة مقدورة
للعبد ومأمور بها فاللازم فيها التندم دون الندم. وغير خفي بأن الندم كغيره من صفات
النفس، فإن أمكن إزالة الصفات النفسية وكسبها فالندم كذلك، وإلا لزم بطلان علم
الأخلاق بالكلية وأيضا إذا أمكن تحصيل سبب الندامة - أعني العلم بفوات المحبوب -
لزم ترتب المسبب - أعني الندامة عليه - فما معنى عدم كونه مقدورا، فالندامة في
الإزالة والتحصيل لا يكون أصعب من كثير من الأخلاق النفسية وبعضهم يعد ما عدا
التندم من شرائط التوبة، قال (وأما الندم المحبوب - لزم ترتب المسبب - أعني الندامة
عليه - فما معنى عدم كونه التوبة حقيقة، وإنما المقدور تحصيل أسبابه من العلم
والإيمان وتحقيقهما في قلبه) إنتهى. وفيه ما لا يخفى بعلاوة ما سبق، قال الصادق
(ع): (التوبة حبل الله ومدد عنايته، ولا بد للعبد من مداومة التوبة على كل حال وكل
فرقة من العباد لهم توبة، فتوبة الأنبياء من اضطراب السر وتوبة
ص 41
الأولياء من تلوين الخطرات، وتوبة الأصفياء من التنفيس، وتوبة الخاص من الاشتغال
بغير الله، وتوبة العام من الذنوب، ولكل واحد منهم معرفة وعلم في أصل توبته ومنتهى
أمره، وذلك يطول شرحه هنا. وأما توبة العام فإن يغسل باطنه من الذنوب بماء الحسرة،
والاعتراف بجنايته دائما، واعتقاد الندم على ما مضى، والخوف على ما بقي من عمره ولا
يستصغر ذنوبه فيحمله ذلك إلى الكسل، ويديم البكاء والأسف على ما فاته من طاعة الله،
ويحبس نفسه عن الشهوات، ويستغيث إلى الله تعالى ليحفظه على وفاء توبته ويعصمه عن
العود إلى ما سلف، ويروض نفسه في ميدان الجهاد والعبادة، ويقضي عن الفوائت من
الفرائض، ويرد المظالم، ويعتزل قرناء السوء، ويسهر ليله ويظمأ نهاره، ويتفكر دائما
في عاقبته، ويستعين بالله سائلا منه الاستقامة في سرائه وضرائه، ويثبت عند المحن
والبلاء كي لا يسقط عن درجة التوابين، فإن في ذلك طهارة من ذنوبه، وزيادة في عمله،
ورفعة في درجاته. قال الله - عز وجل -: (فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن
الكاذبين) (39 - 40).
كيف لا تكون التوبة عن المعاصي واجبة، مع أن
العلم بضرر المعاصي وكونها مهلكة من أجزاء الإيمان ووجوب الإيمان ومما لا ريب فيه،
والعالم بهذا العلم إذا لم يعمل به فكما لا يعلمه أو ينكره فلا يكون له هذا الجزء
من الإيمان، لأن كل علم يراد ليكون باعثا على العمل، فلا يقع التفصي عن عهدته ما لم
يصير باعثا، فالعلم بضرر الذنوب إنما، أريد ليكون باعثا على تركها فمن لم يتركها
فهو فاقد لهذا الجزء من الإيمان، وهو المراد بقول النبي (ص): (لا يزني الزاني حين
يزني وهو مؤمن)، وما أراد به نفي الإيمان بالله ووحدانيته وصفاته وكتبه ورسله، فإن
ذلك لا ينافي الزنا والمعاصي، وإنما أراد به نفي الإيمان بالله لكون الزنا مبعدا عن
الله وموجبا لسخطه، وليس الإيمان بابا واحدا، بل هو - كما ورد - نيف وسبعون بابا،
أعلاها الشهادتان وأدناها إماطة الأذى عن الطريق،، ومثاله قول القائل: ليس الإنسان
موجودا واحدا، بل هو نيف وسبعون موجودا، أعلاها الروح والقلب وأدناها إماطة الأذى
عن البشرة، بأن يكون مقصوص الشارب مقلوم الأظافر نقي البشرة عن الخبث، حتى يتميز عن
البهائم المرسلة المتلوثة بأرواثها، المستكرهة الصور بطول مخالبها وأظافرها،
فالإيمان كالانسان، وفقد الشهادتين كفقد الروح الذي يوجب البطلان بالكلية، والذي
ليس له إلا شهادة التوحيد والرسالة ويترك سائر أجزائه من الأعمال، فهو كإنسان مقطوع
الأطراف مفقوء العينين، فاقد لجميع أعضائه الظاهرة والباطنة،
ص 45
إلا أصل الروح. وكما أن من هذا حاله قريب من الموت ومزايلة الروح الضعيفة المنفردة
التي تخلفت عنها الأعضاء التي تمدها وتقويها، فكذلك من ليس له أصل الإيمان وهو مقصر
في الأعمال، قريب من أن تنقلع شجرة أيمانه إذا صدمتها الرياح العاصفة المحركة
للإيمان في مقدمة قدوم ملك الموت ووروده، فكل إيمان لم يثبت في النفس أصله ولم
تنتشر في الأعمال فروعه، لم يثبت على عواصف الأهوال عند ظهور ناصية ملك الموت وخيف
عليه سوء الخاتمة، فالمحجوب عن الإيمان الذي هو شعب وفروع سيحجب في الخاتمة عن
الإيمان الذي هو أصل، كما أن الشخص الفاقد لجميع الأطراف التي هي فروع لسياق إلى
الموت المعدم للروح التي هي أصل، فلا بقاء للأصل دون الفرع، ولا وجود للفرع دون
الأصل، ولا فرق بين الأصل والفرع إلا في شيء واحد، وهو أن وجود الفرع وبقاءه جميعا
يستدعي وجود الأصل، وأما وجود الأصل فلا يستدعي وجود الفرع ولكن بقاءه يستدعي وجود
الفرع، فبقاء الأصل بالفرع ووجود الفرع بالأصل، كمساواة العاصي والمطيع في اسم
المؤمن كمساواة شجرة القرع وشجرة الصنوبر في اسم الشجرة، وإنما يظهر الفرق إذا عصفت
الرياح القوية، فعند ذلك تنقطع أصول شجرة القرع وتتناثر أوراقها، وتبقى شجرة
الصنوبر ثابته على أصلها وفرعها. ومثل العاصي الذي لا يخاف الخلود في النار لأجل
معصيته اتكالا على إيمانه بالتوحيد والرسالة، كمثل الصحيح الذي يأكل الأغذية المضرة
والسمومات ولا يخاف الموت اتكالا على صحته، فكما يؤدي صحة هذا الصحيح بتناوله
السمومات والأغذية إلى المرض والمرض إلى الموت، فكذلك تؤدي ذنوب العاصي إلى سوء
الخاتمة إلى الخلود في إلى الموت، فكذلك تؤدي ذنوب العاصي إلى سوء الخاتمة إلى
الخلود في النار، فالمعاصي للإيمان كالسمومات والمأكولات المضرة للأبدان فكما أن
مضرة السمومات لا تزال تجتمع في الباطن حتى تغير مزاج الأخلاط وهو لا يشعر بها إلى
أن يفسد المزاج فيمرض دفعة ثم يموت دفعة، فكل آثار المعاصي لا تزال تتراكم في النفس
حتى يفسد مزاجها فيسلب عنها أصل الإيمان، فالخائف من الموت في هذه النشأة القصيرة
إذا وجب عليه ترك السموم وما يضره من المأكولات، فالخائف من هلاك الأبد أولى بأن
يجب ترك
ص 46
الذنوب، ومن تناول السم وندم إذا وجب عليه أن يتقيأ ويرجع عن تناوله بإخراجه عن
المعدة، فتناول سموم الإيمان وهي الذنوب أولى بأن يجب عليه الرجوع عنها بالتدارك
الممكن ما دام مهلة التدارك. فالبدار البدار معاشر أخواني إلى التوبة! قبل أن تعمل
سموم الذنوب بروح إيمانكم عملا لا ينفع بعده الاحتماء، ويخرج الأمر فيه عن أيدي
أطباء القلوب، فلا ينفع حين إذ وعظ الواعظين ونصح الناصحين، وتحق عليكم كلمة
العذاب. وتدخلون تحت عموم قوله - تعالى -: (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا
فأغشيناهم فهم لا يبصرون) (44) وقوله تعالى (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى
أبصارهم غشاوة) (45)... وغير ذلك من الآيات. ثم مقتضى الأدلة المذكورة: كون التوبة
على الفور، فيجب على كل مسلم أن يتوب عن ذنوبه فورا، ولا يجوز له التأخير. قال
لقمان لابنه: (يا بني! لا تؤخر التوبة، فإن الموت يأتي بغتة). ومن ترك المبادرة إلى
التوبة بالتسويف كان بين خطرين عظيمين: - أحدهما - أن تتراكم الظلمة على قلبه من
المعاصي حتى يصير دينا وطبعا فلا يقبل المحو - والثاني - أن يعالجه المرض أو الموت
فلا يجد مهلة للاشتغال بالمحو. ولذلك ورد: أن أكثر صياح أهل النار من التسويف، فما
هلك من هلك إلا بالتسويف.
فصل عموم وجوب التوبة 
وجوب التوبة يعم الأشخاص والأحوال،
فلا ينبغي أن ينفك عنه أحد في حالة، قال الله تعالى -: (وتوبوا إلى الله جميعا)
(46). وهو يعم الكل في الكل. ومما يدل على وجوبها على الكل: إن كل فرد من أفراد
الناس إذا بلغ سن التمييز والتكليف قام القتال والنزاع في مملكة
(1) المطففين، الآية: 14 (*)
ص 50
فإذا تراكم الرين صار طبعا فيطبع على قلبه، كما إن الخبث في وجه المرآة إذا تراكم
وطال زمانه غاص في جرم الحديد وأفسده، وصار بحيث لا يقبل التصقيل بعده فالتائب من
الذنوب لا بد له من محو تلك الآثار التي انطبعت منها في نفسه، ولا يكفي مجرد تركها
في المستقبل، كما لا يكفي في تصقيل المرآة وظهور الصور فيها قطع الأنفاس والبخارات
المسودة لوجهها في المستقبل، ما لم يشتغل بمحو ما انطبع فيها من الآثار، وكما ترتفع
إلى النفس ظلمة من المعاصي والشهوات فتظلمها، فكذلك يرتفع نور من الطاعات وترك
الشهوات فينورها، ولهذا النور تنمحي ظلمة المعاصي والشهوات، وإليه الإشارة بقوله
(ص) (اتبعوا السيئة الحسنة تمحها). فأذن لا يستغني العبد في حال من أحواله من محو
آثار السيئات عن قلبه بمباشرة حسنات تضاد آثارها آثار تلك السيئات، في معنى أن تكون
الحسنة التي ترتكب لمحو السيئة مناسبة لتلك السيئة، لقوله (ص) (اتق الله حيث كنت)
ولأن المرض يعالج بضده فكل ظلمة ارتفعت إلى القلب، فلا يمحوها إلا نور يرتفع إليه
من حسنة تضادها، إذ الضد إنما يرتفع بالضد، فيكفر سماع الملاهي بسماع القرآن وبحضور
مجالس الذكر، ويكفر القعود في المسجد جنبا بالعبادة فيه، ويكفر مس المصحف محدثا
بإكرامه وتقبله وكثرة قراءته، ويكفر شرب الخمر بالتصدق لكل شراب حلال هو أحب إليه..
إلى غير ذلك وليس ذلك - أي إيقاع المناسبة - شرطا في المحو، فقد روي: (أن رجلا قال
لرسول الله صلى الله عليه وآله: إني عالجت امرأة فأصبت منها كل شيء إلا المسيس،
فاقض عليه بحكم الله فقال: أما صليت معنا؟ قال: بلا! فقال: إن الحسنات يذهبن
السيئات). وينبغي أن تكون التوبة عن قرب عهد بالخطيئة، بأن يتندم عليها ويمحو
آثارها قبل أن يتراكم الرين على القلب فلا يقبل المحو، قال الله تعالى -: (إنما
التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب) (2) أي عن قرب عهد
بعمل السوء. وقال: (وليس التوبة للذين يعملون السيئات
(هامش)
(2) النساء، الآية: 16 (*)
ص 51
حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن) (3) قال الصادق (ع): (ذلك إذا عاين أمر
الآخرة) وقد ورد مثله عن رسول الله (ص) أيضا.
فصل فضيلة التوبة 
إعلم أن التوبة أول
مقامات الدين، ورأس مال السالكين، ومفتاح استقامة السائلين، ومطلع التقرب إلى رب
العالمين، ومدحها عظيم، وفضلها جسيم، قال الله - تعالى -: (إن الله يحب التوابين
ويحب المتطهرين) (4). وقال رسول الله (ص): (التائب حبيب الله، والتائب من الذنب كمن
لا ذنب له). وقال الباقر (ع): (إن الله تعالى أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل
راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها، فالله أشد فرحا بتوبة عبده من ذلك الرجل
براحلته حين وجدها). وقال (ع): (التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب
وهو مستغفر منه كالمستهزئ). وقال الصادق (ع): (إن الله يحب من عباده المفتن
التواب): يعني كثير الذنب كثير التوبة. وقال (ع): (إذا تاب العبد توبة نصوحا، أحبه
الله فستر عليه)، فقلت: وكيف يستر عليه؟ قال: (ينسي ملكيه ما كأنه يكتبان عليه،
ويوحي إلى جوارحه وإلى بقاع الأرض أن اكتمي عليه ذنوبه، فيلقى الله - عز وجل - حين
يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب). وقال الصادق (ع): (إن الله - عز وجل -
أعطى التائبين ثلاث خصال لو أعطى خصلة منها جميع أهل السماوات والأرض لنجوا بها:
قوله - عز وجل -: (إن الله يحب التوابين...) إلى آخره (5) وقوله: (الذين يحملون
(هامش)
(3) النساء، الآية: 17 (4) البقرة، الآية: 222 (5) البقرة، الآية: 222 (*)
ص 52
العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل
شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا - إلى قوله - وذلك هو الفوز العظيم) (6) وقوله:
(والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا
يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما، يضاعف، له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا، لا
من تاب وآمن - إلى قوله - وكان الله غفورا رحيما) (7). وقال أبو الحسن - عليهما
السلام -: (أحب العباد إلى الله المنيبون التوابون).
فصل قبول التوبة 
التوبة
المستجمعة لشرائطها مقبولة الإجماع، ويدل عليه قوله تعالى: (هو الذي يقبل التوبة عن
عباده) (8) وقوله - تعالى -: (غافر الذنب وقابل التوب) (9). وقوله - تعالى -: (ومن
يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) (10). وقول النبي (ص):
(إن الله تعالى يبسط يده بالتوبة لمسئ الليل إلى النهار ولمسئ النهار إلى الليل حتى
تطلع الشمس من مغربها)، وبسط اليد كناية عن طلب التوبة، وطالب التوبة يقبله ألبتة.
وقوله (ص): (إن الحسنات يذهبن السيئات، كما يذهب الماء الوسخ). وقوله (ص): ( (لو
عملتم الخطايا حتى تبلغ السماء ثم ندمتم، لتاب الله عليكم). وقوله (ص): (إن العبد
ليذنب الذنب فيدخل في الجنة)، قيل: كيف ذلك يا رسول الله!؟ قال (يكون نصب عينيه
تائبا منه فارا حتى يدخل الجنة). وقوله (ص): (كفارة الذنب الندامة). وقوله صلى الله
عليه وآله: (من تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته. ثم قال:
(هامش)
(6) المؤمن، الآية: 7 - 9. (7) الفرقان، الآية: 68 - 70 (8) الشورى، الآية: 25 (9)
المؤمن الآية: 3 (10) النساء، الآية: 109. (*)
ص 53
إن السنة لكثير، من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته،. ثم قال: إن الشهر لكثير، من
تاب قبل موته بجمعة قبل الله توبته. ثم قال: إن الجمعة لكثير، من تاب قبل موته بيوم
قبل الله توبته. ثم قال: إن يوما لكثير، من تاب قبل أن يعاين ملك الموت قبل الله
توبته). وقال الباقر (ع) لمحمد بن مسلم: (ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له،
فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما والله إنها ليست إلا لأهل
الإيمان)، فقال له: فإن عاد بعد التوبة والاستغفار من الذنوب، وعاد في التوبة؟ قال:
(يا محمد بن مسلم! أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر منه ويتوب ثم لا يقبل
الله توبته؟)، قال: فإنه فعل ذلك مرارا، يذنب ثم يتوب ويستغفر، فقال: (كلما عاد
المؤمن بالاستغفار والتوبة عاد الله عليه بالمغفرة، وإن الله غفور رحيم يقبل التوبة
ويعفو عن السيئات، فإياك أن تقنط المؤمن من رحمة الله). وقوله (ع): (إذا بلغت النفس
هذه - وأهوى بيده إلى حلقه - لم تكن للعالم توبة، وكانت للجاهل توبة). وقوله (ع):
(إن آدم (ص) قال: (يا رب! سلطت علي الشيطان وأجريته مني مجرى الدم، فاجعل لي شيئا،
فقال: يا آدم! جعلت لك: إن من هم من ذريتك بسيئة لم تكتب عليه، فإذا عملها كتبت
عليه سيئة، ومن هم منهم بحسنة، فإذا لم يعملها كتبت له حسنة، فإن هو عملها كتبت له
عشرا، قال: يا رب! زدني، قال: جعلت لك: إن من عمل منهم سيئة ثم استغفر غفرت له،
قال: يا رب! زدني، قال: جعلت التوبة، وبسطت لهم التوبة حتى تبلغ النفس هذه، قال يا
رب حسبي). وقول الصادق (ع): (إن الرجل ليذنب الذنب فيدخله الله به الجنة)، قبل:
يدخله الله بالذنب الجنة؟ قال: (نعم! إنه ليذنب فلا يزال منه خائفا ماقتا لنفسه،
فيرحمه الله فيدخله الجنة). وقوله عليه السلام: (العبد المؤمن إذا ذنب ذنبا أجله
الله سبع ساعات، فإن إستغفر الله لم يكتب عليه شيء، وإن مضت الساعات ولم يستغفر
كتبت، عليه سيئة وإن المؤمن ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتى يستغفر ربه فيغفر له، وإن
الكافر لينسى من ساعته)). وقوله (ع): (ما من مؤمن يقارف
ص 54
في يومه وليلته أربعين كبيرة فيقول وهو نادم: استغر الله الذي لا إله إلا هو الحي
القيوم بديع السماوات والأرض ذا الجلال والاكرام وأسأله أن يصلي على محمد وآل محمد
وأن يتوب علي إلا غفرها الله له، ولا خير فيمن يقارف في يومه أكثر من أربعين كبيرة)
(11). وروي: (أن الله تعالى لما لعن إبليس سأله النظرة، فأنظره إلى يوم القيامة،
فقال: وعزتك لأخرجت من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح، فقال الله تعالى: بعزتي
لأحجبت عنه التوبة ما دام فيه الروح). وورد في الاسرائيليات: (أن شابا عبد الله
عشرين سنة، ثم عصاه عشرين سنة، ثم نظر في المرآة، فرأى الشيب في لحيته، فساءه ذلك،
فقال: إلهي أطعتك عشرين سنة ثم عصيتك عشرين سنة، فإن رجعت إليك أتقبلني؟ فسمع قائلا
يقول: أجبتنا فأجبناك، فتركتنا فتركناك وعصيتنا فأمهلناك فإن رجعت إلينا قبلناك)
والأخبار والآثار في هذا المعنى أكثر من أن تحصى، وفي بعض الأخبار المتقدمة دلالة
عليه أيضا ثم الناظر بنور البصيرة لا يحتاج في هذا المعنى إلى بيان، إذ يعلم أن
التوبة توجب سلامة القلب، وكل قلب سليم مقبول عند الله ومتنعم في الآخرة في جوار
الله، ويعلم أن القلب خلق في الأصل سليما صافيا، إذ كل مولود يولد على الفطرة،
وإنما مرض واسود بأمراض الذنوب وظلماتها ودواء التوبة يزيل هذه الأمراض، ونور
الحسنات يمحو هذه الظلمات، ولا طاقة لظلام المعاصي مع نور الحسنات، كما لا طاقة
لظلام الليل مع نور النهار، ولكدورة الوسخ مع بيان الصابون والماء الحار. نعم إذا
تراكمت الذنوب بحيث صارت رينا وطبعا، وأفسدت القلب بحيث لا يقبل الصفاء والنورانية
بعد ذلك، فمثل هذا القلب لا تفيده التوبة، بمعنى أنه لا يرجع ولا يتوب، وإن قال
باللسان تبت، إذ أوساخ الذنوب غاصت في تجاويفه وتراكمت فيه بحيث لا يقبل التطهير،
ولو بولغ فيه أدى إلى انخراق القلب
(هامش)
(11) صححنا الأحاديث الواردة في هذا
الباب على أصول الكافي: باب الاعتراف بالذنوب، وباب من يهم بالحسنة أو السيئة، وباب
التوبة، وباب الاستغفار من الذنوب، وباب فيما أعطى الله - عز وجل - آدم وقت التوبة.
صفحة
ص 55
وهلاكه، لصيرورة الأوساخ جزءا من جوهره، كما أن الثواب الذي غاص الوسخ في تجاويفه
وخلله وتراكم فيه، لو بولغ في تطهيره بالماء والصابون أدى ذلك إلى انخراقه. وهذا
حال أكثر الخلق المقبلين على الدنيا المعرضين عن الله، فإنهم لا يرجعون ولا يتوبون،
لصيرورة ذمائم الأخلاق ورذائلها ملكات راسخة في نفوسهم وغاصت أوساخها في تجاويف
قلوبهم، بحيث لا يتنبهون ولا يتيقظون حتى يقصدوا التوبة، ولو قصدوها فإنما هو بمجرد
اللسان، والقلب غافل خال عن الإيمان، بل تتعذر عليه التوبة لبطلان حقيقتها.
فصل طرق
التوبة عن المعاصي 
إعلم أن ما عنه التوبة هي الذنوب التي علمت تفاصيلها في هذا
الكتاب، وهي - كما ذكرناها - لا تخلو عن الصفات والأفعال الشيطانية المتعلقة
بالوهم، والصفات والأفعال السبعية المتعلقة بالقوة السبعية، والصفات والأفعال
البهيمية المتعلقة بالقوة البهيمية. ومن حيث تعلق التوبة بها وكيفية الخروج عنها
ينقسم إلى أقسام ثلاثة: أحدها - ترك الطاعات الواجبة: من الصلاة، والصوم، والزكاة،
والخمس، والكفارة وغيرها. وطريق التوبة عنها: أن يجتهد في قضائها بقدر الإمكان.
وثانيها - المحرمات التي بين العبد وبين الله، أعني المنهيات التي هي حقوق الله:
كشرب الخمر، وضرب المزامير، والكذب، والزنا بغير ذات بعل. وطريق التوبة عنها: أن
يندم عليها، ويوطن قلبه على ترك العود إلى مثلها أبدا. وثالثها - الذنوب التي بينه
وبين العباد، وهي المعبر عنها بحقوق الناس، والأمر فيها أصعب وأشكل، وهي إما في
المال، أو في النفس، أو في العرض أو في الحرمة، أو في الدين: فما كان في (المال):
يجب عليه أن يرده إلى صاحبه إن أمكنه، فإن عجز عن ذلك لعدم أو فقر، وجب أن يستحل
منه، وإن لم يحل أو
ص 56
عجز عن الايصال لغيبة الرجل غيبة منقطعة أو موته وعدم بقاء وارث له، فليتصدق عنه إن
أمكنه، وإلا فعليه بالتضرع والابتهال إلى الله أن يرضيه عنه يوم القيامة، وعليه
بتكثير حسناته وتكثير الاستغفار له، ليكون يوم القيامة عوضا عن حقه، إذ كل من له حق
على غيره لا بد أن يأخذ يوم القيامة عوضا عن حقه، إما بعض طاعاته أو بتحمل هذا
الغير بعض سيئاته. وما كان في (النفس): فإن كانت جناية جرت عليه خطأ وجب أن يعطي
الدية، وإن كان عمدا وجب عليه أن يمكن المجني عليه أو أولياءه مع هلاكه من القصاص
حتى يقتص منه، أو يجعل في حل، وإن عجز عن ذلك فعليه بكثرة إعتاق الرقاب، لأن ذلك
نوع إحياء وإيجاد لا يقدر لانسان على أكثر منه، فيقابل به الإعدام والإماتة، وعليه
الرجوع أيضا إلى الله بالتضرع والابتهال أن يرضيه عنه يوم القيامة. وما كان في
(العرض): بأن شتمه، أو قذفه، أو بهته، أو اغتابه، فحقه أن يكذب نفسه عند من قال ذلك
لديه، ويستحل من صاحبه مع الإمكان، أن لم يخف تهديده وزيادة غيضه وهيجان فتنته من
إظهاره، فإن خاف ذلك، فليكثر الاستغفار له، ويبتهل إلى الله أن يرضيه عنه يوم
القيامة. وما كان في (الحرمة): بأن خان مسلما في أهله وولده أو نحوهما، فلا وجه
للاستحلال إذ إظهار ذلك يورث الغيض والفتنة لأن من له شوب الرجولية لا يمكن أن يحل
من خان في حرمته ووطئ زوجته، كيف ولو أحله ورضي بذلك كان فيه عرق من الدياثة،
فاللازم لمثله أن يكثر التضرع والابتهال إلى الله المتعال، ويواضب على الطاعات
والخيرات الكثيرة لمن خانه في مقابلة خيانته، وإن كان حيا فليفرحه بالاحسان
والإنعام وبذل الأموال، ويكرمه بالخدمة وقضاء الحوائج ويسعى في مهماته وأغراضه،
ويتلطف به، ويظهر من حبه والشفقة عليه ما يستميل به قلبه، فإذا طاب قلبه بكثرة
تودده وتلطفه، فربما سمحت نفسه في القيامة بالحلال، فإن أبى أن يكون إنعامه وتلطفه
من جملة حسناته التي يمكن أن يجبر بها في القيامة خيانته، فإن كل ظلم وإيذاء وحق من
حقوق العباد إذا لم يحصل صاحبه يوم القيامة
ص 57
يقتص من الظالم في يوم القيامة بالحكم العدل القهري بأخذ العوض، سواء رضا الظالم أم
لا، وسواء امتنع صاحب الحق عن القبول والابراء أم لا، كما أنه يحكم في الدنيا على
من أتلف مال غيره بإعطاء المثل، ويقهر على ذلك، ويحكم على هذا الغير بقبوله، ويجبر
عليه إن امتنع عن الابراء، وعن القبول، فكذلك يحكم أحكم الحاكمين وأعدل العادلين في
محكمة القيامة، فيقتص من كل ظالم مؤذي بأخذ حسناتهم ووضعها في موازين أرباب
المظالم، فإن لم تف بها حسناته حمل من سيئات أرباب المظالم، فيهلك المسكين بسيئات
غيره. وبذلك يعلم: أنه لا خلاص لأحد في القيامة إلا برجحان ميزان الحسنات على ميزان
السيئات: ومع الرجحان - ولو بقدر مثقال - تحصل النجاة، فيجب على كل معتقد في يوم
الحساب أن يسعى في تكثير الحسنات وتقليل السيئات، حتى لا ترجح سيئاته يوم القيامة
على حسناته ولو بمثقال فيكون من الهالكين وعلى كل حال لا يغفل عن التضرع والابتهال
في الليل والنهار إلى الله سبحانه، لعله بعميم لطفه لا يفضحه يوم تبلى السرائر،
ويرضي خصمه بخفي ألطافه. وما كان في (الدين): بأن نسب مسلما إلى الكفر أو الضلالة
أو البدعة ، فليكذب نفسه بين يديه من قال ذلك عنده، ويستحل من صاحبه مع الإمكان،
وبدونه فليستغفر له ويكثر الابتهال إلى الله ليرضيه عنه يوم القيامة. ومجمل ما يلزم
في التوبة عن حقوق الناس: إرضاء الخصوم مع الإمكان، وبدونه التصدق وتكثير الحسنات
والاستغفار، والرجوع إلى الله بالتضرع والابتهال، وليرضيهم عنه يوم القيامة، ويكون
ذلك بمشية الله، فلعله إذا علم الصدق من قلب عبده. ووجد ذله وانكساره، ترحم عليه
وأرضى خصماءه من خزانة فضله، فلا ينبغي لأحد أن ييأس من روح الله.
فصل تكفير
الصغائر ومعنى الكبائر 
إعلم أن صاحب الشرع قسم الذنوب إلى كبيرة وصغيرة، وحكم بأن
اجتناب الكبائر يكفر الصغائر، وأن الصلوات الخمس لا تكفر الكبائر وتكفر ج: 3
ص 58
الصغائر، قال الله - تعالى -: (أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم)
(12). وقال: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) (13). وقال رسول الله
(ص): (الصلوات الخمس والجمعة تكفر ما بينهن إن اجتنبت الكبائر) واجتناب الكبيرة
إنما يكفر الصغيرة إذا اجتنبها مع
القدرة والإرادة، كمن يتمكن من امرأة ومن مواقعتها، فيكف نفسه عن الوقاع ويقتصر على
نظر ولمس، فإن مجاهدته نفسه في الكف عن الوقاع أشد تأثيرا في تنوير قلبه من إقدامه
على النظر في إظلامه، فهذا معنى تكفيره فإن كان امتناعه لعجز أو خوف أو نحو ذلك،
فلا يصلح للتكفير، فكذلك من يشتهي الخمر بطبعه ولو أبيح له لما شربه، فاجتنابه لا
يكفر عن الصغائر التي هي من مقدماته كسماع الملاهي والأوتار ومثله. ثم الكبيرة من
حيث اللفظ مبهم ليس له موضوعا خاص في اللغة ولا في الشرع والعرف، لأن الكبير
والصغير من المصافات، وما من ذنب إلا وهو كبير بالإضافة إلى ما دونه، وصغير
بالإضافة إلى ما فوقه. وقد اختلف العلماء في تعيين الكبائر اختلافا لا يكاد يرجى
زواله واختلفت الروايات فيها أيضا. والأظهر بالنظر إلى الروايات وإلى الجمع بينها
كون الكبيرة عبارة عما توعد بالنار على فعله أو ما ورد في نص الكتاب النهي عنه،
ويعني بوصفه بالكبيرة: إن العقوبة بالنار عظيمة، أو إن تخصيصه بالذكر في القرآن يدل
على عظمه. ويمكن أن يقال: إن الشرع لم يعينها، وأبهمها ليكون العباد على وجل منها،
فيجتنبون جميع الذنوب، كما أبهم ليلة القدر ليعظم جد الناس في طلبها، ويواضبوا في
ليال على العبادات،، وكما أبهم الاسم الأعظم ليواضبوا على جميع أسماء الله.
والحاصل: أن كل ما يتعلق به حكم في الدنيا أجاز أن يتطرق إليه الإبهام، والكبيرة
على الخصوص لا حكم لها في الدنيا من حيث أنها كبيرة، فإن موجبات الحدود معلومة
بأساميها،
(هامش)
النساء، الآية: 30 (13) النجم، الآية: 32 (*)
ص 59
وإنما حكم الكبيرة أن اجتنابها يكفر الصغائر وأن الصلوات الخمس لا تكفرها، وهذا أمر
يتعلق بالآخرة، والابهام أليق به، حتى يكون الناس على وجل وحذر، فلا يتجرؤن على
الصغائر اعتمادا على الصلوات الخمس واجتناب الكبائر.
فصل الصغائر قد تكون كبائر

إعلم أن الصغيرة قد تكبر بأسباب: أحدها - الإصرار والمواظبة، ولذلك قال الصادق (ع):
(لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار). والسر فيه: أن الصغيرة لقلة
تأثيرها لا تؤثر في القلب بإظلامه مرة أو مرتين، ولكن إذا تكررت وتراكمت آثارها
الضعيفة صارت قوية وأثرت على التدريج في القلب، وذلك كما أن قطرات من الماء تقع على
الحجر على توال فتؤثر فيه، وذلك القدر من الماء لو صب عليه دفعة لم يؤثر، ولذلك قال
رسول الله (ص): (خير الأعمال أدومها، وأن قل). وإذا كان النافع هو الطاعة الدائمة
وأن قلت، فكذلك الضار هو السيئة الدائمة وأن قلت. ثم معرفة الإصرار موكول إلى
العرف، قال الباقر (ع) في قوله تعالى: (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) (14):
(الإصرار: أن يذنب الذنب، فلا يستغفر ولا يحدث نفسه بتوبة، فذلك الإصرار). وثانيها
- استصغار الذنب، فإن العبد كلما استعظمه من نفسه صغر عند الله، وكلما استصغره كبر
عند الله، لأن استعظامه يصدر عن نفور القلب عنه وكراهته له، وذلك النفور يمنع من
شدة تأثره به، واستصغاره يصدر عن الألف به، وذلك يوجب شدة الأثر في القلب، والقلب
هو المطلوب تنوره بالطاعات والمحذور تسويده بالسيئات، ولذلك لا يؤخذ بما يجري عليه
في الغفلة، لعدم تأثره به، ولذلك ورد في الخبر: (إن المؤمن
(هامش)
(14) آل عمران، الآية: 135. (*)
ص 60
يرى ذنبه كالجبل فوقه يخاف أن يقع عليه، والمنافق يرى ذنبه كذباب مر على أنفه
فأطاره). وقال رسول الله (ص) (إتقوا المحقرات من الذنوب، فإنها لا تغفر)، قيل: وما
المحقرات؟ قال: (الرجل يذنب الذنب، فيقول طوبى لي لو لم يكن غير ذلك). وروي: (أنه
(ص) نزل بأرض قرعاء، فقال لأصحابه: أئتونا بالحطب، فقالوا: يا رسول الله! نحن بأرض
قرعاء ما بها من حطب، قال: فليأت كل إنسان بما قدر عليه فجاؤا به حتى رموا بين يديه
بعضه على بعض، فقال (ص): هكذا تجمع الذنوب إياكم والمحقرات من الذنوب فإن لكل شيء
طالبا، ألا وإن طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين). وقال
أمير المؤمنين عليه السلام (لا تصغر ما ينفع يوم القيامة ولا تصغر ما يضر يوم
القيامة، فكونوا فيما أخبركم الله كمن عاين) وقال الباقر (ع): (إتقوا المحقرات من
الذنوب فإن لها طالبا، يقول أحدكم: أذنب واستغفر الله. إن الله - تعالى - يقول:
(ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) (15). وقال عز وجل -: (إنها
إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن
الله لطيف خبير) (16). وقال الصادق (ع): إن الله يحب العبد أن يطلب إليه في الجرم
العظيم، ويبغض العبد أن يستخف بالجرم اليسير). وقال الكاظم (ع): (لا تستكثروا كثير
الخير ولا تستقلوا قليل الذنوب، فإن قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيرا، وخافوا الله
في السر حتى تعطوا من أنفسكم النصف) (17). والسر في عظم الذنب في قلب المؤمن: كونه
عالما بجلال الله وكبريائه، فإذا نظر إلى عظم من عصى به رأى الصغير كبيرا، وقد أوحى
الله إلى بعض أنبيائه: (لا تنظر إلى قلة الهدية وانظر إلى عظم مهديها،
(هامش)
(15) يس، الآية: 12 (16) لقمان، الآية: 16 (17) صححنا الأحاديث كلها على أصول
الكافي (باب التوبة وباب تفسير الذنوب). (*)
ص 61
ولا تنظر إلى صغر الخطيئة وانظر إلى كبرياء من واجهته بها) ولذلك قال بعض الصحابة
للتابعين:، (إنكم تعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، وكنا نعدها على رسول
الله من الموبقات) إذ كانت معرفة الصحابة بجلال الله أتم، فكانت الصغائر عندهم
بالإضافة إلى جلال الله كبائر. وثالثها - أن يأتي بالصغائر ولا يبالي بفعلها،
اغترارا بستر الله عليه، وحلمه عنه، وإمهاله إياه، ولا يعلم أنه إنما يمهل مقتا
ليزداد بالإمهال إثما، فتزهق أنفسهم وهم كافرون، فمن ظن أن تمكنه من المعاصي عناية
من الله به، فهو جاهل بمكامن الغرور، وآمن من مكر الله الذي لا يأمن منه إلا
الكافرون. ورابعها - السرور بالصغيرة واعتداد التمكن من ذلك نعمة والغفلة عن كونها
نقمة وسبب الشقاوة فكلما غلبت حلاوة الصغيرة عند العبد كبرت وعظم قلبه في تسويد
قلبه، فمن مزق عرض مسلم وفضحه وخجله، أو غبنه في ماله في المعاملة، ثم فرح به،
ويقول: أما رأيتني كيف مزقت عرضه؟ وكيف فضحته؟ وكيف روجت عليه الزيف؟ كانت معصيته
أشد مما إذا لم يفرح بذلك وتأسف عليه، إذ الذنوب مهلكات، وإذا ابتلى بها العبد
فينبغي أن يتأسف من حيث أن العدو - أعني الشيطان - ظفر به وغلب عليه، لا أن يفرح
بغلبة العدو عليه، فالمرض الذي يفرح بانكسار إنائه الذي فيه دواؤه لتخلصه من ألم
شربه، لا يرجى شفاءه. وخامسها - أن يذنب ويظهر ذنبه بأن يذكره بعد إتيانه، أو يأتي
به في مشهد غيره، فإن ذلك خيانة منه على الله الذي أسدله عليه، وتحريك الرغبة والشر
فيمن أسمعه ذنبه أو أشهده فعله، فهما خيانتان انضمتا إلى خيانته فتغلظت به، فإن
انضاف إلى ذلك الترغيب للغير فيه والحمل عليه وتهيئة الأسباب له صارت خيانته رابعة،
وتفاحش الأمر. وهذا لأن من صفات الله أنه يظهر الجميل ويستر القبيح ولا يهتك الستر،
فالإظهار كفران لهذه النعمة، قال رسول الله (ص): (المستتر بالحسنة تعدل سبعين حسنة،
والمذيع بالسيئة مخذول، والمستتر بها مغفور له). وقال الصادق (ع): (من جاءنا يلتمس
الفقه والقرآن وتفسيره فدعوه ومن جاءنا يبدي عورة قد سترها الله فنحوه) وسادسها -
أن يكون الآتي بالصغيرة عالما يقتدي به الناس، فإذا فعله
ص 62
بحضرة الناس أو بحيث اطلعوا عليه، كبر ذنبه، وذلك كلبسه الذهب والإبريسم وأخذه مال
الشبهة، وإطلاقه اللسان في أعراض الناس، ونحو ذلك. فهذه ذنوب يقتدي العالم فيها
ويتبع عليها، فيموت ويبقى شره مستطيرا في العالم، فطوبى لمن إذا مات ماتت معه
ذنوبه، وفي الخبر: (من سن سنة سيئة فعليه وزرها من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيء)
قال الله تعالى (ونكتب ما قدموا وآثارهم) (18). والآثار: ما يلحق الأعمال بعد
انقضاء العمل. فعلى العالم وظيفتان: إحداهما ترك الذنب، والأخرى - إخفاءه، وكما
تتضاعف أوزار العالم على السيئات إذا اتبع فيها، فكذلك يتضاعف ثوابه على الحسنات
إذا اتبع.
فصل شروط كمال التوبة 
يشترط في تمام التوبة وكمالها بعد تدارك كل معصية
بما مر: من طول الندم، وقضاء العبادات، والخروج عن مظالم العباد، وطول البكاء
والحزن والحسرة، وإسكاب الدموع، وتقليل الأكل، وارتياض النفس، ليذوب عن بدنه كل لحم
نبت من الأغذية المحرمة والمشتبهة، قال أمير المؤمنين (ع) لمن قال بحضرته: أستغفر
الله: (ثكلتك أمك! أتدري ما الاستغفار؟ إن الاستغفار درجة العليين، وهو اسم واقع
على ستة معاني: أولها: الندم على ما مضى، والثاني: العزم على ترك العود عليه أبدا،
والثالث: أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة، والرابع:
أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها تؤدي حقها، والخامس: أن تعمد إلى اللحم الذي نبت
على السحت فتذيبه بالأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم وينشأ منها لحم جديد، والسادس: أن
تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك نقول: استغفر الله)،
فصل
هل يصح التبعيض في التوبة
إعلم أن التوبة عن بعض الذنوب دون بعض ممكن ويصح، بشرط لا
(هامش)
(28) يس، الآية: 12. (*)
ص 63
تكون الذنوب التي يتوب عنها مخالفة بالنوع للذنوب التي لا يتوب عنها، كأن يتوب عن
الكبائر دون الصغائر، أو عن القتل والظلم ومظالم العباد دون بعض حقوق الله، أو عن
شرب الخمر دون الزنا أو بالعكس، أو عن شرب الخمر دون أكل أموال الناس بالباطل خيانة
وتلبيسا أو غصبا أو قهرا أو عن بعض الصغائر دون بعض الكبائر، كالذي يتوب عن الغيبة
مع إصراره على شرب الخمر. والدليل على إمكان ذلك وصحته: أن العبد إذا علم أن
الكبائر أعظم إثما عند الله وأجلب لسخط الله ومقته والصغائر أقرب إلى تطرق العفو
إليها، فلا يبعد أن يتوب عن الأعظم دون الأصغر، وكذا إذا تصور أن بعض الكبائر أشد
وأغلظ عند الله من بعض، فلا يبعد أن يتوب عن الأغلظ دون الأخف، وقد تكون ضراوة أحد
بنوع معصية شديدة، فلا يقدر على الصبر عنها، وتكون ضراوته بنوع آخر منها أقل،
فيمكنه الترك بسهولة، فيتوبوا عنه دون الأول، وأن كان الأول أغلظ وأشد إثما، كالذي
شهوته بالخمر أشد من شهوته بالغيبة، فيترك الغيبة ويتوب عنها دون الخمر، فالتوبة عن
بعض المعاصي دون بعض مع اختلافها نوعا بأي نحو كان ممكن وصحيح، ومعها يندفع عنه إثم
ما تاب عنه، ويكتب عليه إثم ما لم يتب عنه، بل ربما كان أكثر ما وقع من التوبة من
هذا القبيل إذ كثر التائبون في الأعصار الخالية والقرون الماضية، ولم يكن أحد منهم
معصوما، فيكون كل منهم جازما بأنه يصدر عنه معصيته البتة. ويدل على الصحة قوله (ع):
(التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، حيث لم يقل: التائب من الذنوب. نعم التوبة عن بعض
الذنوب دون بعض مع تماثلهما غير صحيح وغير معقول، لاستوائهما في حق الشهوة وحق
التعرض لسخط الله، فلا معنى للتوبة عن أخذ الخبز الحرام، أو عن أخذ الدرهم الحرام
دون الدينار الحرام، أو عن ترك صلاة الظهر دون العصر، إذ لو كان ذلك صحيحا لصح أن
يتوب عن أخذ هذا الخبز دون ذلك الخبز، أو عن أن أخذ هذا الدرهم دون ذلك الدرهم...
وهكذا. والحاصل: أن التوبة عن بعض الذنوب دون بعض مع تفاوتها في العقاب واقتضاء
الشهوة صحيح، ومع تماثلهما فيهما غير معقول. ومن العلماء من قال: إن التوبة عن
البعض
ص 64
دون البعض لا تصح مطلقا، واستدل على ذلك بأن التوبة عبارة عن الندم وإنما يندم على
السرقة - مثلا - لكونها معصية لا لكونها سرقة، ولا يعقل أن يندم عليها دون الزنا أن
كان توجعه لأجل المعصية، إذ العلة شاملة لهما، لأن من يتوجع على قتل ولده بالسيف
يتوجع على قتله بالسكين، لأن التوجع إنما هو بفوات المحبوب، سواء كان بالسيف أو
بالسكين، وكذلك توجع التائب إنما هو لفوات المحبوب بالمعصية. سواء عصى بالسرقة أو
بالزنى، وجوابه قد ظهر مما ذكرناه.
فصل أقسام التائبين 
التائبون بين من سكنت نفسه
عن الشروع إلى الذنوب فلا يحوم حومها وبين من بقي في نفسه الشروع إليها والرغبة
فيها وهو يجاهدها ويمنعها. والأول بين من سكون النزوع وبطلانه فيه لأجل قوة اليقين
وصدق المجاهدة، ومن سكونه وانقطاعه بفتور في نفس الشهوة فقط: والأول من الأول أفضل
من الثاني، والثاني منه أدون من الثاني، والوجه ظاهر. وأيضا التائبون بين من نسي
الذنب من دون اشتغال بالتفكر فيه، وبين من جعله نصب عينيه ولا يزال يتفكر فيه
ويحترق ندما عليه. ولا ريب في أن التذكر والاحتراق بالنظر إلى المبتدي ومن يخاف
عليه العود أفضل، لأنه يصده عنه، والنسيان بالنظر إلى المنتهى السالك والواصل إلى
مرتبة الحب والأنس الواثق من نفسه أنه لا يعود أفضل، لأنه شغل مانع عن سلوك الطريق،
وحاجب من الحضور بلا فائدة ولا ينافيه بكاء الأنبياء وتناجيهم من الذنوب، لأنهم قد
ينزلون في أقوالهم وأفعالهم إلى الدرجات اللائقة بالأمة، فإنهم بعثوا لإرشادهم
فعليهم التلبس بما تنتفع الأمة بمشاهدته، وأن كان نازلا عن ذروة مقامهم. ولذا قال
رسول الله (ص): (أما إني لا أنسى، ولكن أنسى لأشرع) (19). ولا تعجب من هذا، فإن
الأمم في كنف شفقة الأنبياء كالصبيان في كنف شفقة الآباء، وكالمواشي في كنف الرعاة،
والأب إذا أراد
(هامش)
(19) الحديث نبوي مروي في إحياء العلوم: 4 / 38. (*)
ص 65
أن يستنطق ولده الصغير ينزل إلى درجة نطق الصبي، والراعي لشاة أو طائر يصوت به رغاء
أو صفيرا شبيها بالبهيمة والطائر تلطفا في تعليمه.
فصل مراتب التوبة 
إعلم أن التائب
أما يتوب عن المعاصي كلها ويستقيم على التوبة إلى آخر عمره، فيتدارك ما فرط، ولا
يعود إلى ذنوبه، ولا يصدر عنه معصية إلا الزلات التي لا يخلو عنها غير المعصومين،
وهذه التوبة النصوح، والنفس التي صاحبها هي النفس المطمئنة التي ترجع إلى ربها
راضية مرضية، أو يتوب عن كبائر المعاصي والفواحش ويستقيم على أمهات الطاعات، لا
أنه ليس ينفك عن ذنوب تصدر عنه في مجاري أحواله غفلة وسهوة وهفوة، لا عن محض العمد
وتجريد القصد، وإذا أقدم على ذنب لام نفسه وندم وتأسف، وجدد عزمه على ألا يعود إلى
مثله، ويتشمر للاحتراز عن أسبابه التي تؤدي إليه، والنفس التي هذه مرتبتها هي النفس
اللوامة التي خيرها يغلب على شرها، فولها حسن الوعد من الله تعالى بقوله: (الذين
يجتنبون كبائر الإثم من الفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة) (20) وإلى مثلها
الإشارة بقوله (ص): (خياركم كل مفتن تواب). وفي خبر آخر: (المؤمن كالسنبلة، يفيئ
أحيانا ويميل أحيانا). وفي خبر آخر: (لا بد للمؤمن من ذنب يأتيه الفينة بعد الفينة)
(21): أي الحين بعد الحين. وكل ذلك شاهد صدق على أن هذا القدر من الذنوب لا ينقض
التوبة ولا يلحق صاحبه بدرجة المصرين، ومن يؤيس مثل هذا عن النجاة ووصوله إلى درجة
التائبين فهو ناقص، ومثله مثل الطبيب الذي يؤيس الصحيح من دوام الصحة بما يتناوله
من الفواكه مرة أو مرتين، ومثل الفقيه الذي يؤيس المتفقه عن نيل درجة الفقهاء
بفتوره عن التكرار في أوقات نادرة. ولا ريب في نقصانه، فالعالم حق العالم هو الذي
لا يؤيس الخلق
(هامش)
(20) النجم الآية: 32 (21) صححنا النبويات الثلاث على إحياء العلوم: 4 / 39 (*)
ص 66
من درجات السعادات بما يتفق لهم من الفترات ومفارقة السيئات المقتطفات، إذ أمثال
الفترات ما يصدر عن السهو والغفلات لا يفسد النفس ولا يبطلها بحيث لا يقبل الإصلاح،
أو يتوب ويستمر على الاستقامة مدة ثم تغلبه الشهوة في بعض الذنوب، فيقدم عليه عمدا
وقصدا، لعجزه عن قهر الشهوة وقمعها، إلا أنه مع ذلك مواظب على الطاعات، وتارك لأكثر
الذنوب مع القدرة والشهوة، وأنما قهره بعض الشهوات بحيث يغفل عند هيجانها ويرتكب
مقتضاها من دون مجاهدة وندامة، وعند قضاء هذه الشهوة والفراغ عنها يتندم، ويقول
سأتوب عنها، لكنه يسول نفسه ويسوف توبته يوما بعد يوم، والنفس التي هذه درجتها هي
التي تسمى النفس المسؤولة المسؤول صاحبها، وإليها الإشارة بقوله تعالى: (وآخرون
اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) (22). فنجاتها من حيث مواظبته على
الطاعات وكراهته لما يتعاطاه مرجو، فعسى الله أن يتوب عليها، ولكن يخاف عليها من
حيث تسويفها وتأخيرها، فربما اختطفها الموت قبل التوبة، ويقع أمرها في المشيئة،
فيدخل في زمرة السعداء، أو يسلك في سلك الأشقياء، أو يتوب ويجري مدة على الاستقامة
ثم يعود إلى الذنوب عمدا وقصدا، من غير أن يحدث نفسه بالتوبة، ومن غير أن يتأسف
ويتندم، بل ينهمك انهماك الغافل في الذنوب واتباع الشهوات وهذا معدود من المصرين،
ونفسه محسوبة من النفوس الأمارة بالسوء الفرارة من الخير، ومثله أن مات على التوحيد
وختم له بالحسنى وغلبت طاعاته على سيئاته كان من أهل الجنة، وأن ختم له بالسوء كان
من أهل النار، وأن مات على التوحيد ولكن ترجحت سيئاته على حسناته فأمره إلى الله،
ولعله يعذب في النار مدة بقدر زيادة سيئاته على حسناته، ثم يخلص منها بعميم لطفه.
فصل عدم الثقة بالاستقامة لا يمنع من التوبة 
إعلم أن من تاب ولا يثق من نفسه
الاستقامة على التوبة فلا ينبغي
(هامش)
(22) التوبة الآية: 103 (*)
ص 67
أن يمنعه ذلك عن التوبة علما منه أنه لا فائدة فيه، فإن ذلك من غرور الشيطان، ومن
أين له هذا العلم، فلعله يموت تائبا قبل أن يعود إلى الذنب. وأما الخوف من العود،
فليتداركه بتجريد القصد وصدق العزم، فإن وفى به فقد نال مطلبه، وإلا فقد غفرت ذنوبه
السابقة كلها وتخلص منها، وليس عليه إلا هذا الذنب الذي أحدثه الآن. وهذا من
الفوائد العظيمة والأرباح الجسيمة، فلا يمنعك خوف العود من التوبة فإنك من التوبة
أبدا بين إحدى الحسنيين: - أحداهما - العظمى: وهي غفران الذنوب السابقة وعدم العود
إلى ذنبه في الاستقبال. - وثانيتهما - وهي الصغرى: غفران الذنوب الماضية، وأن لم
يمنع العود إلى الذنب في المستقبل. ثم إذا عاد إلى الذنب ينبغي أن يتوب عنه دفعة،
ويتبعه بحسنة لتمحوها، فيكون ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا. والحسنات المكفرة
للذنوب أما متعلقة بالقلب: وهي الندم، والتضرع إلى الله، والتذلل له، وإضمار الخير
للمسلمين، والعزم على الطاعات، أو باللسان: وهي الاعتراف بالظلم والإساءة، وكثرة
الاستغفار، أو بالجوارح: وهي أنواع الطاعات والصدقات. وينبغي ملاحظة المناسبة بين
السيئة التي صدرت عنه والحسنة التي يتبعها لتمحوها. وفي الخبر: أن الذنب إذا أتبع
بثمانية أعمال كان العفو مرجوا: أربعة من أعمال القلوب، وهي: التوبة أو العزم على
التوبة، وحب الاقلاع عن الذنب، وتخوف العقاب عليه، ورجاء المغفرة. وأربعة من أعمال
الجوارح، وهي: أن تصلي عقب الذنب ركعتين، ثم تستغفر الله تعالى بعدهما سبعين مرة
وتقول سبحان الله العظيم وبحمده مائة مرة، ثم تتصدق بصدقة، ثم تصوم يوما. وفي بعض
الأخبار: تسبغ الوضوء وتدخل المسجد وتصلي ركعتين، وفي بعضها: تصلي أربع ركعات. ولا
تظن أن الاستغفار باللسان بدون حل عقدة الإصرار لا فائدة فيه أصلا، بل هو توبة
الكذابين، لما ورد من أن المستغفر من الذنب وهو مصر عليه كالمستهزئ بآيات الله لأن
الاستغفار الذي هو توبة الكذابين ولا فائدة فيه أصلا هو الاستغفار بمجرد اللسان
وبحكم العادة وعلى سبيل الغفلة، أي ما يكون مجرد حركة
ص 68
اللسان من دون مدخلية للقلب، كما إذا سمع شيئا مخوفا، فيقول على الغفلة: أستغفر
الله، أو نعوذ بالله، من غير شركة للقلب فيه وتأثره منه، وأما إذا انضاف إليه تضرع
القلب وابتهاله في سؤال المغفرة عن صدق إرادة وخلوص رغبة وميل قلبي إلى انقلاعه عن
هذا الذنب فهي حسنة في نفسها، وإن علم أن نفسه الأمارة ستعود إلى هذا الذنب فتصلح
هذه الحسنة لأن يدفع بها السيئة، فالاستغفار بالقلب وأن خلا عن حل عقدة الإصرار لا
يخلو عن الفائدة، وليس وجوده كعدمه. وقد عرف أرباب القلوب بنور البصيرة معرفة قطعية
يقينية لا يعتريها ريب وشبهة صدق قوله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن
يعمل مثقال ذرة شرا يره) (23). ولذا جزموا وقطعوا بأنه لا تخلو ذرة من الخير عن أثر
كما لا تخلو شعيرة تطرح في الميزان عن أثر، ولو كانت كل شعيرة خالية عن أثر لكان لا
يرجح الميزان باجتماع الشعيرات، فميزان الحسنات يترجح بذرات الخيرات إلى أن يثقل
فتسل كفة السيئات، فإياك وأن تستصغر ذرات الطاعات فلا تأتيها، وتستحقر ذرات المعاصي
فلا تتقيها، كالمرأة الخرفاء تكسل عن الغزل تعللا بأنها لا تقدر في كل ساعة إلا على
خيط واحد، وأي غنى يحصل منه، وما وقع ذلك في الثياب، ولا تدري أن ثياب الدنيا
اجتمعت خيطا خيطا، وأن أجسام العالم مع اتساع أقطاره اجتمعت ذرة ذرة، وربما ترتب
على عمل قليل ثواب جزيل، فلا ينبغي تحقير شيء من الطاعات. قال الصادق عليه السلام:
(أن الله تعالى خبأ ثلاثا في ثلاث: رضاه في طاعته، فلا تحقروا منها شيئا فلعل رضاه
فيه. وغضبه في معاصيه، فلا تحقروا شيئا فلعل غضبه فيه. وخبأ ولايته في عبادته، فلا
تحقروا منهم أحدا فلعله ولي الله). فإذا الاستغفار بالقلب حسنة لا يضيع أصلا، بل
ربما قيل: الاستغفار بمجرد اللسان أيضا حسنة، إذ حركة اللسان بها غفلة خير من
السكوت عنه فيظهر فضله بالنظر إلى السكوت عنه، وأن كان نقصا بالإضافة إلى عمل
القلب، فينبغي ألا تترك حركة اللسان بالاستغفار، ويجتهد في أضافة حركة
(هامش)
(23) الزلزال، الآية: 7 - 8 (*)
ص 69
القلب إليها، ويتضرع إلى الله أن يشرك القلب مع اللسان في اعتياد الخير.
فصل علاج
الإصرار على الذنوب 
إعلم أن الطريق إلى تحصيل التوبة، والعلاج لحل عقدة الإصرار على
الذنوب: أن يتذكر ما ورد في فصلها - كما مر - وتذكر قبيح الذنوب وشدة العقوبة
عليها، وما ورد في الكتاب والسنة من ذنب المذنبين والعاصين، ويتأمل في حكايات
الأنبياء وأكابر العباد، وما جرى عليهم من المصائب الدنيوية، بسبب تركهم الأولى
وارتكابهم بعض صغائر المعاصي، وأن يعلم أن كل ما يصيب العبد في الدنيا من العقوبة
والمصائب فهو بسبب معصيته كما دل عليه الأخبار الكثيرة ويتذكر ما ورد من العقوبات
على أحاد الذنوب: كالخمر ، والزنا، والسرقة، والقتل، والكبر، والحسد، والكذب،
والغيبة وأخذ المال الحرام... وغير ذلك من آحاد المعاصي مما لا يمكن حصره، ثم يتذكر
ضعف نفسه وعجزها عن احتمال عذاب الآخرة وعقوبة الدنيا، ويتذكر خساسة الدنيا وشرف
الآخرة، وقرب الموت ولذة المناجاة مع ترك الذنوب، ولا يغتر بعدم الأخذ الحالي، إذ
لعله كان من الإملاء والاستدراج. فمن تأمل في جميع ذلك وعلم ذلك على سبيل التحقيق
انبعثت نفسه للتوبة البتة، إذ لو لم ينزعج إلى التوبة بعد ذلك، فهو أما معتوه أحمق
أو غير معتقد بالمعاد، وينبغي أن يجتهد في قلع أسباب الإصرار من قلبه: أعني الغرور،
وحب الدنيا، وحب الجاه، وطول الأمل... وغير ذلك.
فصل الإنابة 
إعلم أن الإنابة هو
الرجوع عن كل شيء مما سوى الله، والاقبال على الله تعالى بالسر والقبول والفعل، حتى
يكون دائما في فكره وذكره وطاعته، فهو غاية درجات التوبة وأقصى مراتبها، إذ التوبة
هو الرجوع عن الذنب إلى الله، والإنابة هو الرجوع عن المباحات أيضا إليه سبحانه،
فهو من المقامات العالية والمنازل السامية. قال الله سبحانه:
ص 70
(وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له) (24). وقال - سبحانه -: (وما يتذكر إلا من ينيب)
(25) وقال: (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد، هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ، من خشي
الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب، أدخلوها بسلام ذلك يوم الخلود، لهم ما يشاؤن فيها
ولدينا مزيد) (26). وإنابة العبد تتم بثلاثة أمور: الأول - أن يتوجه إليه بشراشر
باطنه حتى يستغرق قلبه في فكره. الثاني - ألا يكون خاليا عن ذكره وذكر نعمته
ومواهبه وذكر أهل حبه وتقربه. الثالث - أن يواظب على طاعاته وعباداته مع خلوص
النية.
المحاسبة والمراقبة (تذنيب) 
- إعلم أن المحاسبة والمراقبة قريبة من التوبة
في ضديتها من وجه الإصرار على الذنوب. ومثلها في كونها من ثمرات الخوف والحب
وتعلقهما بقوتي الشهوة والغضب وكونهما من فضائلها، فنحن نشير هنا إلى ما يتعلق بهما
من بيان حقيقتهما وفضيلتهما والأعمال التي يتوقف تماميتها عليهما في فصول.
فصل
المعنى الظاهر للمحاسبة والمراقبة 
(المحاسبة): أن يعين في كل يوم وليلة وقتا يحاسب
فيه نفسه بموازنة طاعاته ومعاصيه، ليعاتب نفسه، ويقهرها لو وجدها في هذا اليوم
والليلة مقصرة في طاعة واجبة، أو مرتكبة المعصية، ويشكر الله سبحانه لو أتت بجميع
الواجبات ولم يصدر منه معصية، ويزيد الشكر لو صدر منها شيء من الخيرات والطاعات
المندوبة. (والمراقبة): أن يلاحظ ظاهره وباطنه دائما، حتى لا يقدم على شيء
(هامش)
(24) الزمر، الآية: 54 25) المؤمن، الآية: 13 (26) ق، الآية: 31 - 35. (*)