اغتيال النبي (ص)

الصفحة السابقة الصفحة التالية

اغتيال النبي (ص)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 63

في مغازيه (1) قائلا: إنما كانت أخبار الشام عند المسلمين كل يوم لكثرة من يقدم عليهم من الأنباط، فقدمت قادمة فذكروا أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معه لخم وجذام وغسان وعاملة. وزحفوا وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء وعسكروا بها، وتخلف هرقل بحمص. ولم يكن ذلك، إنما ذلك شيء قيل لهم فقالوه. ولم يكن عدو أخوف عند المسلمين منهم، وذلك لما عاينوا منهم (إذ كانوا يقدمون عليهم تجارا) من العدد والعدة والكراع. وكان رسول الله لا يغزو غزوة إلا ورى بغيرها، لئلا تذهب الأخبار بأنه يريد كذا وكذا، حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حر شديد . وقال الجلاس بن سويد: والله لئن كان محمد صادقا لنحن شر من الحمير! والله لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة وأنا ننفلت من أن ينزل فيها القرآن بمقالتكم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعمار بن ياسر: أدرك القوم فإنهم قد احترقوا، فسلهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى قلتم كذا وكذا. فذهب إليهم عمار فقال لهم. فأتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعتذرون إليه..

(هامش)

(1) المغازي 2 / 989. (*)

ص 64

فأنزل الله { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب } إلى قوله { بأنهم كانوا مجرمين } (1). ولما أحتاج المسلمون إلى الماء في تلك الصحراء بصيفها الحار، دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسقط المطر. فقال أوس بن قيظي المنافق: سحابة مارة (2). وكانت غزوة تبوك بعد انتصار المسلمين على المشركين، وسيطرتهم على جزيرة العرب، فوجد المنافقون أن ملك المسلمين أصبح عظيما، وبلادهم واسعة، فسعوا لقتل النبي (صلى الله عليه وآله) للسيطرة على خلافته. وقد نزلت آيات كثيرة في تبوك في المنافقين وأفعالهم منها: { وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون } (3). و{ والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين } (4). وذكر البيهقي عن عروة، قال: ورجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) قافلا من تبوك إلى المدينة، حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله (صلى الله عليه وآله) ناس من أصحابه فتآمروا [عليه] (5) أن يطرحوه في عقبة في الطريق، فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، فلما غشيهم

(هامش)

(1) سورة التوبة 65، 66. (2) المغازي للواقدي 2 / 1009. (3) التوبة 81، 82. (4) التوبة 107. (5) الزيادة من (أ) فقط. (*)

ص 65

رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبر خبرهم (1)، فقال: من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم، وأخذ النبي (صلى الله عليه وآله) العقبة، وأخذ الناس بطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله (صلى الله عليه وآله) لما سمعوا بذلك استعدوا وتلثموا، وقد هموا بأمر عظيم، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر، فمشيا معه مشيا، وأمر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة، وأمر حذيفة أن يسوقها فبينا هم يسيرون إذ سمعوا بالقوم من ورائهم قد غشوهم فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمر حذيفة أن يردهم، وأبصر حذيفة غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فرجع ومعه محجن، فاستقبل وجوه رواحلهم، فضربها ضربا بالمحجن، وأبصر القوم وهم متلثمون، لا يشعر إنما ذلك فعل المسافر، فرعبهم الله عز وجل حين أبصروا حذيفة، وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه، فأسرعوا حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما أدركه، قال: اضرب الراحلة يا حذيفة، وامش أنت يا عمار، فأسرعوا حتى استوى بأعلاها فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لحذيفة: هل عرفت من هؤلاء الرهط أو الركب، أو أحدا منهم؟ قال حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان، وقال: كانت ظلمة الليل، وغشيتهم وهم متلثمون، فقال (صلى الله عليه وآله): هل علمتم ما كان شأن الركب وما أرادوا؟ قالوا: لا والله يا رسول الله، قال: فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا أظلمت في العقبة طرحوني منها، قالوا: أفلا

(هامش)

(1) في (ح): أخبرهم خبره . (*)

ص 66

تأمر بهم يا رسول الله إذا جاءك الناس فتضرب أعناقهم؟ قال: أكره أن يتحدث الناس ويقولوا إن محمدا قد وضع يده في أصحابه، فسماهم لهما، وقال: اكتماهم (1). إذن كان حذيفة وعمار يعرفان أسماء المنافقين. وقد عودنا الناشرون وبعض الرواة على وضع كلمتي فلان بدل أبي بكر وعمر. وقد ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي عمر وعثمان بدل فلان عند ذكر المنهزمين من معركة أحد (2). وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس، عن ابن إسحاق، قال: فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الثنية نادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله): أن خذوا بطن الوادي فهو أوسع عليكم، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أخذ الثنية، فذكر الحديث في مكر المنافقين بنحو مما ذكرنا في رواية عروة إلى قوله لحذيفة: هل عرفت من القوم أحدا؟ فقال: لا ولكني أعرف رواحلهم، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم، وسأخبرك بهم إن شاء الله عند وجه الصبح، فانطلق إذا أصبحت فأجمعهم، فلما أصبح، قال: ادع عبد الله أظنه

(هامش)

(1) نقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (5: 19)، عن المصنف، وقد روى الخبر الإمام أحمد عن أبي الطفيل، وابن سعد عن جبير بن مطعم. دلائل النبوة، البيهقي 5 / 256، 257 طبعة دار الكتب العلمية - بيروت. (2) نظريات الخليفتين، المؤلف 2 / 266، شرح النهج، المعتزلي 3 / 390 طبع دار الكتب العلمية - مصر. (*)

ص 67

ابن سعد بن أبي سرح (1)، وفي الأصل عبد الله بن أبي، وسعد بن أبي سرح إلا أن ابن إسحاق ذكر قبل هذا أن ابن أبي تخلف في غزوة تبوك ولا أدري كيف هذا (2). وأخبرنا أبو علي: الحسين بن محمد الروذباري، أخبرنا أبو العباس: عبد الله بن عبد الرحمن بن حماد العسكري [ببغداد]، قالا: حدثنا أحمد بن الوليد الفحام، أخبرنا شاذان، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن قيس بن عباد، قال: قلت لعمار: أرأيتم صنيعكم هذا فيما كان من أمر علي، أرأيا رأيتموه أو شيئا عهده إليكم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا لم يعهده إلى الناس كافة، ولكن حذيفة أخبرني عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: في أصحابي اثنا عشر منافقا، منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط (3). رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن الأسود بن عامر شاذان (4). أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ [قال]: حدثنا أبو الفضل بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن سلمة، [قال]: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن

(هامش)

(1) وقال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد: عبد الله بن أبي سعد بن أبي سرح، ولم يعرف له إسلام . (2) دلائل النبوة، البيهقي 5 / 257، 258، طبعة دار الكتب العلمية - بيروت. (3) المصدر السابق. (4) أخرجه مسلم في: 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، الحديث (9)، ص (4: 2143) عن أبي بكر بن أبي شيبة. (*)

ص 68

جعفر، حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث عن أبي نضرة عن قيس بن عباد، قال: قلنا لعمار بن ياسر أرأيت قتالكم هذا أرأيا رأيتموه، فإن الرأي يخطئ ويصيب، أم عهدا عهده إليكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) - شيئا لم يعهده في الناس كافة - وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن في أمتي ، قال شعبة: وأحسبه قال حدثني حذيفة أنه قال إن في أمتي اثني عشر منافقا لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تكفيهم الدبيلة شراج من النار تظهر بين أكتافهم حتى تنجم من صدورهم. رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن بشار (1). وروينا عن حذيفة أنهم كانوا أربعة عشر، أو خمسة عشر، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ورسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وعذر ثلاثة، قالوا: ما سمعنا المنادي، ولا علمنا ما أراد القوم (2). رواية حذيفة في كتاب المحلى ذكر حذيفة بن اليمان العبسي (صاحب سر النبي (صلى الله عليه وآله) كما وصفه الخليفة عمر) (3) محاولة بعض الصحابة قتل النبي (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك،

(هامش)

(1) أخرجه مسلم في الموضع السابق، الحديث (10) عن محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى. (2) دلائل النبوة، البيهقي 5 / 257، 258 طبعة دار الكتب العلمية - بيروت. (3) أسد الغابة، ابن الأثير، ترجمة حذيفة 1 / 468، طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت. (*)

ص 69

وذلك بإلقائه من العقبة (1) في الوادي. وقد ذكر ابن حزم الأندلسي المتوفى سنة 456 ه‍ هذه الحادثة في كتابه المحلى قائلا: وأما حديث حذيفة فساقط، لأنه من طريق الوليد بن جميع، وهو هالك، ولا نراه يعلم من وضع الحديث، فإنه قد روى أخبارا فيها أن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) أرادوا قتل النبي (صلى الله عليه وآله)، وإلقائه من العقبة في تبوك، ولو صحت لكانت بلا شك على ما بينا من أنهم صح نفاقهم، وعاذوا بالتوبة، ولم يقطع حذيفة ولا غيره على باطن أمرهم، فتورع عن الصلاة عليهم (2). والوليد بن جميع هو الوليد بن عبد الله بن جميع. جاء في كتاب ميزان الاعتدال للذهبي (3): الوليد بن جميع وثقه ابن معين، والعجلي، وقال أحمد، وأبو زرعة ليس به بأس، وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وجاء في كتاب الجرح والتعديل للرازي (4): عن إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين، أنه قال: الوليد بن جميع ثقة.

(هامش)

(1) العقبة: الجبل الطويل يعرض للطريق فيأخذ فيه وهو طويل صعب شديد، لسان العرب لابن منظور 1 / 621. (2) المحلى، ابن حزم الأندلسي 11 / 225. (3) ميزان الاعتدال 4 / 337 رقم 9362 طبع دار المعرفة - بيروت. (4) الجرح والتعديل ج 9 / 8 طبع دار الكتب العلمية - بيروت. (*)

ص 70

وذكره ابن حجر العسقلاني في الإصابة في جملة رواته (1). وذكره ابن كثير في جملة رواته الثقات (2). وذكره مسلم في صحيحه في جملة رواته (3). ولما كان الحاكم قد اطلع على حديث حذيفة المذكور بواسطة الوليد بن عبد الله بن جميع، فقد قال: لو لم يذكره مسلم في صحيحه لكان أولى (4). وهذا يعني أن الوليد بن جميع ثقة في نظر الحاكم ولكنه منزعج منه لذكره الحديث المذكور. فالحاكم يريد منه أن يذكر بعض الأحاديث ويكتم البعض الآخر! إذن وفق رأي مسلم، والذهبي، وابن معين، والعجلي، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والرازي وابن حجر يكون سند الحديث صحيحا، فهؤلاء يوثقون حذيفة بن اليمان، والوليد بن جميع. وقطع ابن حزم الأندلسي بعدم صلاة حذيفة على أبي بكر وعمر وعثمان إذ قال: ولم يقطع حذيفة ولا غيره على باطن أمرهم فتورع عن الصلاة

(هامش)

(1) الإصابة ج 1 / 454. (2) البداية والنهاية 4 / 362، 5 / 310، 6 / 225. (3) صحيح مسلم 3 / 1414 حديث 98 - 1787 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت. (4) المحلى لابن حزم 11 / 225. (*)

ص 71

عليهم (1). وكما ذكرنا أن حذيفة صاحب سر النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان عمر يسأل عن حذيفة إذا مات ميت، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر (2). لتحريم الصلاة على المنافقين { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره } (3). ويذكر أن الذي مات في زمن عمر وحذيفة هو أبو بكر. وقطع ابن حزم الأندلسي بعدم صلاة حذيفة عليه. ثم ذكر ابن عساكر صاحب تاريخ دمشق أيضا، أن حذيفة لم يصل على فلان (4) أي أبي بكر. وهذه عادة معروفة مع الشيخين أبي بكر وعمر. فقد تقدم عمر نفسه إلى حذيفة بطلب الصلاة عليه، فلما رأى عدم صلاة حذيفة عليه اندهش وتقدمت عيناه، ثم سأل حذيفة: أمن القوم أنا؟ يعني المنافقين؟ (5) وقد صرح النبي (صلى الله عليه وآله) (6) وعلي (عليه السلام) وعمر (7) بمعرفة حذيفة بن اليمان

(هامش)

(1) المحلى، ابن حزم الأندلسي 11 / 255. (2) الاستيعاب، ابن عبد البر 1 / 278 بهامش الإصابة وأسد الغابة، ابن الأثير 1 / 468، السيرة الحلبية 3 / 143، 144. (3) التوبة: 84. (4) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 6 / 253، طبعة دار الفكر الأولى - دمشق. (5) مختصر تاريخ دمشق 6 / 253، فلم يخبره حذيفة خوفا من القتل، ولقد أراد عمر أن يفهم هل عرفه حذيفة في ليلة العقبة أم لا؟ (6) مختصر تاريخ دمشق 6 / 253، المستدرك، الحاكم 3 / 381. (7) المصدر السابق. (*)

ص 72

بأسماء المنافقين، فقد قال علي (عليه السلام): ذاك امرؤ علم المعضلات والمفصلات، وعلم أسماء المنافقين، إن تسألوه عنها تجدوه بها عالما (1). وحذيفة لم يخبر أحدا بأسماء المنافقين، لكنه لم يصل عليهم! والمقصود بهم هنا مجموعة المهاجمين له (صلى الله عليه وآله) في العقبة. قال حذيفة: مر بي عمر بن الخطاب وأنا جالس في المسجد فقال لي: يا حذيفة إن فلانا (2) قد مات فاشهده. قال: ثم مضى، إذ كاد أن يخرج من المسجد، التفت إلي فرآني وأنا جالس فعرف، فرجع إلي فقال: يا حذيفة أنشدك الله أمن القوم أنا؟ قال: قلت: اللهم لا ولن أبرئ أحدا بعدك. قال: فرأيت عيني عمر جاءتا (3). أي عرف عمر عدم رغبة حذيفة بالصلاة على جثمان أبي بكر. وروى ابن عساكر: دخل عبد الرحمن على أم سلمة رضي الله عنها، فقالت: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: إن من أصحابي لمن لا يراني بعد أن أموت

(هامش)

(1) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، ابن منظور 6 / 252، أسد الغابة، ابن الأثير ترجمة حذيفة 1 / 468 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت، تاريخ دول الإسلام، شمس الدين الذهبي ص 22. (2) أي أبا بكر. (3) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 253، طبعة دار الفكر الأولى 1404 ه‍ - 1984 م، وكان عمر إذا مات ميت سأل عن حذيفة، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر، الاستيعاب، ابن عبد البر الأندلسي 1 / 278 بهامش الإصابة، أسد الغابة، ابن الأثير 1 / 468، السيرة الحلبية 3 / 143. (*)

ص 73

أبدا، فخرج عبد الرحمن من عندها مذعورا، حتى دخل على عمر، فقال له: اسمع ما تقول أمك. فقام عمر حتى دخل عليها، فسألها، ثم قال أنشدك الله أمنهم أنا؟ قالت: لا ولن أبرئ بعدك أحدا (1). وكان ابن عوف وعمر من رجال العقبة (2). والظاهر أن عمر كان خائفا جدا من هذا الموضوع بحيث سأل عنه حذيفة وأم سلمة! ولقد وقع حذيفة وأم سلمة في حرج شديد من سؤال عمر الخطير لهما وبان هذا الحرج من قولهما: لن أبرئ بعدك أحدا. وقال نافع بن جبير بن مطعم: لم يخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأسماء المنافقين، الذين بخسوا به ليلة العقبة بتبوك غير حذيفة، وهم اثنا عشر رجلا (3). ولقد أضافوا إلى حديث ابن عساكر شيئا لم يكن موجودا في أصله، وهو: ليس فيهم قرشي، وكلهم من الأنصار أو من حلفائهم؟! ليبعدوا الشبهة عن قريش، ويضعوها على عاتق الأنصار، كما فعلوا ذلك في حوادث عديدة! ومنها السقيفة! إذ اتهموا زورا سعد بن عبادة بمحاولة اغتصاب السلطة، وادعوا قيام العباس بن أبي طالب بسقي النبي (صلى الله عليه وآله) شرابا، في حين قاموا هم باغتصاب السلطة وسقي النبي (صلى الله عليه وآله) الشراب القاتل (4).

(هامش)

(1) مختصر تاريخ دمشق 19 / 334. (2) منتخب التواريخ ص 63. (3) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 253، المستدرك الحاكم 3 / 381. (4) صحيح البخاري 7 / 17، صحيح مسلم 7 / 24، 198، معجم ما استعجم، عبد الله الأندلسي ص 142. (*)

ص 74

وقال حذيفة: لو كنت على شاطئ نهر، وقد مددت يدي لأغرف، فحدثتكم بكل ما أعلم، ما وصلت يدي إلى فمي، حتى أقتل (1). أي لو أخبر حذيفة بأسماء المنافقين الأحياء منهم والأموات، لقتلوه بسرعة، لذلك لم يخبر بأسمائهم في زمن حكم أبي بكر وعمر ولكنه كان لا يصلي عليهم وهذه إشارة ذلك، وفي زمن حكم عثمان وعلي (عليه السلام) صرح بأسمائهم فقتلوه، كما توقع هو! وعن حذيفة أنه قال: خذوا عنا فإنا لكم ثقة، ثم خذوا عن الذين يأخذون عنا، فأنهم لكم ثقة، ولا تأخذوا عن الذين يلونهم. قالوا: لم؟ قال: لأنهم يأخذون حلو الحديث ويدعون مره، ولا يصلح حلوه إلا بمره (2). وقال حذيفة: لقد حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما يكون حتى تقوم الساعة، غير أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة منها (3). هل كان أبو موسى الأشعري من المنافقين؟ كانت سيرة أبي موسى الأشعري غير مرضية بالعمل والقول وقد

(هامش)

(1) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 259. (2) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 259. (3) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 249. (*)

ص 75

اتهمه أعاظم الصحابة بالنفاق. فقد ذكره حذيفة في جملة منافقي ليلة العقبة: إذ جاء في الرواية: أن عمارا سئل عن أبي موسى فقال: سمعت فيه من حذيفة قولا عظيما، سمعته يقول: صاحب البرنس (1) الأسود، ثم كلح كلوحا علمت منه أنه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط. جاء في مسند حذيفة بن اليمان عن أبي الطفيل قال: كان بين حذيفة، وبين رجل من أهل العقبة بعض ما يكون بين الناس فقال (حذيفة): أنشدك الله كم كان أصحاب العقبة؟ فقال أبو موسى الأشعري: قد كنا نخبر أنهم أربعة عشر. فقال حذيفة: فإن كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر، أشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ورسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد (2). وفي كل كتب السيرة ذكروا بأن المنافقين المذكورين كانوا حربا لله ورسوله (3). ولكن أحد الناشرين امتعض من ذلك وذكر بأنهم حزب الله ورسوله!! وأخرج ابن عدي في الكامل وابن عساكر في التاريخ على ما في منتخب كنز العمال بالإسناد عن أبي نجاء حكيم قال: كنت جالسا مع عمار فجاء أبو موسى فقال: ما لي ولك؟ ألست أخاك؟

(هامش)

(1) البرنس: قلنسوة طويلة وكان النساك يلبسونها في صدر الإسلام قال الجوهري: هو كل ثوب رأسه منه ملتزق به من دراعة أو جبة * المختار 37 ب. (2) كنز العمال، المتقي الهندي المتوفى سنة 975 هجرية 14 / 86 طبع مؤسسة الرسالة - بيروت. (3) تفسير ابن كثير 2 / 605 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت. (*)

ص 76

قال (عمار): فما أدري ولكن سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يلعنك ليلة الجبل (العقبة). قال: إنه استغفر لي. قال عمار: قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار (1). وذكر حذيفة بن اليمان أبا موسى الأشعري في جملة المنافقين في رواية أخرى، إذ كتب العالم الأندلسي ابن عبد البر في الاستيعاب قائلا: فقد روي فيه لحذيفة كلام، كرهت ذكره، والله يغفر له (2). وفي رواية أخرى: روى جرير بن عبد الحميد الضبي عن الأعمش عن شقيق أبي وائل قال: قال حذيفة بن اليمان: والله ما في أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحد أعرف بالمنافقين مني، وأنا أشهد أن أبا موسى الأشعري منافق (3). وقد سمع عبد الله بن عمر ذلك لكنه قال لأبي بردة بن أبي موسى الأشعري: إن أباك كان خيرا من أبي (4). وقال حذيفة والأشتر عن أبي موسى الأشعري: إنه من المنافقين (5).

(هامش)

(1) منتخب كنز العمال 5 / 234. (2) الاستيعاب بهامش الإصابة، ابن عبد البر الأندلسي ص 372 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت. (3) الإيضاح، الفضل بن شاذان ص 30 مؤسسة الأعلمي - بيروت. (4) رواه في المشكاة ص 458، وقال: رواه البخاري وأخرجه ابن الأثير في الجامع 9 / 363 عن البخاري، صحيح البخاري باب مناقب الأنصار ص 45. (5) الاستيعاب بهامش الإصابة، ابن عبد البر ص 372، تاريخ الطبري 3 / 501، العقد الفريد، ابن عبد ربة الأندلسي 4 / 325. (*)

ص 77

أي من المهاجمين للنبي (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة! وعن شقيق كنا مع حذيفة جلوسا فدخل عبد الله (بن عباس) وأبو موسى المسجد فقال: أحدهما منافق ثم قال: إن أشبه الناس هديا وذلا وسمتا برسول الله (صلى الله عليه وآله) عبد الله (بن عباس) (1). وقال عقيل بن أبي طالب عالم الأنساب عنه: ابن المراقة (أي ابن زنا) (2). وقد مات الأشعري في سنة اثنتين وأربعين (3). فيكون من جملة المهاجمين للرسول (صلى الله عليه وآله) في العقبة أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاص وأبو سفيان وأبو موسى الأشعري. وأضاف إليهم صاحب كتاب منتخب التواريخ ابن عوف وابن الجراح ومعاوية وابن العاص والمغيرة وأوس بن حدثان وأبا هريرة وأبا طلحة الأنصاري (4). وكان أبو موسى الأشعري من جناح عمر في الحزب القرشي لذلك أوصى به عمر كثيرا إذ جاء عن مجاهد عن الشعبي: كتب عمر في وصيته: لا يقر لي عامل أكثر من سنة، وأقر الأشعري على البصرة

(هامش)

(1) أعلام النبلاء، الذهبي 2 / 394، تاريخ الفسوي 2 / 771 واقتبسه ابن عساكر ص 538. (2) شرح نهج البلاغة، المعتزلي 2 / 125. (3) الطبقات 6 / 16، أعلام النبلاء 2 / 38. (4) منتخب التواريخ، محمد هاشم خراساني ص 63. (*)

ص 78

أربع سنين (1). ومقابل ذلك استمر أبو موسى الأشعري في دعم عمر وأولاده، ومعاديا لأهل البيت (عليهم السلام) ففي معركة الجمل ثبط الناس عن الحرب مع علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وفي قضية التحكيم في معركة صفين خلع علي بن أبي طالب (عليه السلام) من الخلافة ودعا لخلافة عبد الله بن عمر! وقد جاء في الحديث الصحيح: يا علي لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق (2). ولأنه من جناح عمر بن الخطاب لم يوله أبو بكر منصبا من المناصب، ولأجل ذلك عزلة عثمان بن عفان من ولاية البصرة وولاها عبد الله بن عامر بن كريز الأموي (3).

 محاولة قتل النبي في عقبة الهريش

 ذكر في كتاب الديلمي بأن الرسول (صلى الله عليه وآله) أخبر عائشة بانقضاء عمره وقرب تنصيبه عليا (عليه السلام) خليفة للمسلمين. ووقعت هذه الحادثة قبل حادثة الغدير وجاء: فلم تلبث أن أخبرت حفصة، وأخبرت كل واحدة منها أباها، فاجتمعا

(هامش)

(1) الإصابة، ابن حجر 2 / 360 طبعة دار إحياء التراث - بيروت، الطبقات، ابن سعد 5 / 45. (2) صحيح مسلم، كتاب الإيمان 1 / 120. (3) الاستيعاب بهامش الإصابة، ابن عبد البر 1 / 278 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت. (*)

ص 79

فأرسلا إلى جماعة الطلقاء والمنافقين فخبراهم بالأمر فأقبل بعضهم على بعض وقالوا: إن محمدا يريد أن يجعل هذا الأمر في أهل بيته كسنة كسرى وقيصر إلى آخر الدهر، لا والله ما لكم في الحياة من حظ إن أفضي هذا الأمر إلى علي بن أبي طالب، وأن محمدا عاملكم على ظاهركم، وأن عليا يعاملكم على ما يجد في نفسه منكم، فأحسنوا النظر لأنفسكم في ذلك وقدموا آراءكم فيه. ودار الكلام فيما بينهم وأعادوا الخطاب وأجالوا الرأي فاتفقوا على أن ينفروا بالنبي (صلى الله عليه وآله) ناقته على عقبة الهريش، وقد كانوا صنعوا مثل ذلك في غزاة تبوك، فصرف الله الشر عن نبيه (صلى الله عليه وآله) فاجتمعوا في أمر رسول الله من القتل والاغتيال واستقاء السم على غير وجه، وقد كان اجتمع أعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الطلقاء من قريش والمنافقين من الأنصار، ومن كان في قلبه الارتداد من العرب في المدينة وما حولها، فتعاقدوا وتحالفوا على أن ينفروا به ناقته، وكانوا أربعة عشر رجلا، وكان من عزم رسول الله أن يقيم عليا (عليه السلام) وينصبه للناس بالمدينة إذا أقدم، فسار رسول الله يومين وليلتين، فلما كان في اليوم الثالث أتاه جبرائيل (عليه السلام) بآخر سورة الحجر فقال: إقرأ ولنسألهم أجمعين عما كانوا يعملون، فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين. قال: ورحل رسول الله وأغدق السير مسرعا على دخول المدينة لينصب عليا (عليه السلام) علما للناس، فلما كانت الليلة الرابعة هبط جبرائيل (عليه السلام) في آخر الليل فقرأ عليه:

ص 80

{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين } (1)، فقال (صلى الله عليه وآله): أما تراني يا جبرائيل أغدق السير مجدا فيه لأدخل المدينة فأعرض ولاية علي على الشاهد والغائب. فقال له جبرائيل (عليه السلام): الله يأمرك أن تفرض ولاية علي غدا إذا نزلت منزلك. فقال رسول الله: نعم يا جبرائيل غدا أفعل ذلك إن شاء الله، وأمر رسول الله بالرحيل من وقته، وسار الناس معه حتى نزل بغدير خم، وصلى بالناس وأمرهم أن يجتمعوا إليه، ودعا عليا (عليه السلام) ورفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يد علي اليسرى بيده اليمنى ورفع صوته بالولاء لعلي على الناس أجمعين، وفرض طاعته عليهم، وأمرهم أن لا يختلفوا عليه بعده، وخبرهم أن ذلك عن الله عز وجل، وقال لهم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم. قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، ثم أمر الناس أن يبايعوه فبايعه الناس جميعا ولم يتكلم منهم أحد. وقد كان أبو بكر وعمر تقدما إلى الجحفة فبعث وردهما، ثم قال لهما النبي (صلى الله عليه وآله) متهجما: يا بن أبي قحافة ويا عمر بايعا عليا

(هامش)

(1) المائدة: 67. (*)

ص 81

بالولاية من بعدي فقالا: أمر من الله ورسوله. فقال: وهل يكون مثل هذا من غير أمر الله ومن رسوله، نعم أمر من الله ومن رسوله فبايعا ثم انصرفا، وسايرا رسول الله (صلى الله عليه وآله) باقي يومه وليلته، حتى إذا دنوا من العقبة تقدمه القوم فتواروا في ثنية العقبة، وقد حملوا معهم دبابا (1) وطرحوا فيها الحصى. قال حذيفة: ودعاني رسول الله ودعا عمار بن ياسر وأمره أن يسوقها وأنا أقودها، حتى إذا صرنا في رأس العقبة ثار القوم من ورائنا، ودحرجوا الدباب بين قوائم الناقة فذعرت وكادت أن تنفر برسول الله، فصاح بها النبي: أن اسكني وليس عليك بأس، فأنطقها الله تعالى بقول عربي فصيح، فقالت: والله يا رسول الله ما أزلت يدا عن مستقر يد ولا رجل عن موضع رجل وأنت على ظهري، فتقدم القوم إلى الناقة ليدفعوها، فأقبلت أنا وعمار نضرب وجوههم بأسيافنا، وكانت ليلة مظلمة فزالوا عنا وأيسوا مما ظنوا ودبروا، فقلت: يا رسول الله من هؤلاء القوم وما يريدون، فقال: يا حذيفة هؤلاء المنافقون في الدنيا والآخرة، فقلت: ألا تبعث إليهم يا رسول الله رهطا فيأتوا برؤوسهم. فقال (صلى الله عليه وآله): إن الله أمرني أن أعرض عنهم وأكره أن يقول الناس إنه دعا أناسا من قومه وأصحابه إلى دينه فاستجابوا له فقاتل بهم حتى ظهر على عدوه، ثم أقبل عليهم فقتلهم، ولكن دعهم يا حذيفة فإن الله لهم بالمرصاد

(هامش)

(1) الدبة: التي يجعل فيها الزيت والبزر والدهن والجمع دباب، لسان العرب مادة دبب. (*)

ص 82

وسيمهلهم قليلا ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ، فقلت ومن هؤلاء المنافقون يا رسول الله أمن المهاجرين أمن من الأنصار؟ فسماهم لي رجلا رجلا حتى فرغ منهم وقد كان فيهم أناس أكره أن يكونوا منهم فأمسكت عن ذلك. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا حذيفة كأنك شاك في بعض من سميت لك ارفع رأسك إليهم، فرفعت طرفي إلى القوم وهم وقوف على الثنية، فبرقت برقة فأضاءت جميع ما حولنا وثبتت البرقة حتى خلتها شمسا طالعة، فنظرت والله إلى القوم فعرفتهم رجلا رجلا وإذا هم كما قال رسول الله، وعدد القوم أربعة عشر رجلا، تسعة من قريش، وخمسة من سائر الناس، فقال له سمهم لنا يرحمك الله فقال حذيفة: هم والله أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، هؤلاء من قريش وأما الخمسة فأبو موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة الثقفي وأوس بن الحدثان البصري وأبو هريرة وأبو طلحة الأنصاري. قال حذيفة ثم انحدرنا من العقبة وقد طلع الفجر، فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتوضأ وانتظر أصحابه حتى انحدروا من العقبة واجتمعوا فرأيت القوم بأجمعهم، وقد دخلوا مع الناس، وصلوا خلف رسول الله، فلما انصرف من صلاته (صلى الله عليه وآله) التفت فنظر إلى أبي بكر وعمر وأبي عبيدة يتناجون فأمر مناديا فنادى في الناس: لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس يتناجون فيما بينهم بسر. وارتحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناس من منزل العقبة فلما نزل المنزل الآخر

ص 83

رأى سالم مولى أبي حذيفة أبا بكر وعمر وأبا عبيدة يسار بعضهم بعضا فوقف عليهم وقال: أليس قد أمر رسول الله أن لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس على سر، والله لتخبروني عما أنتم وإلا أتيت رسول الله حتى أخبره بذلك منكم، فقال أبو بكر يا سالم عليك عهد الله وميثاقه ولئن نحن خبرناك بالذي نحن فيه وإنما اجتمعنا له فأن أحببت أن تدخل معنا فيه دخلت وكنت رجلا منا وإن كرهت ذلك كتمته علينا، فقال سالم: ذلك لكم مني وأعطاهم بذلك عهده وميثاقه وكان سالم شديد البغض والعداوة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، وعرفوا ذلك منه فقالوا له: إنا قد اجتمعنا على أن نتحالف ونتعاقد على أن لا نطيع محمدا فيما فرض علينا من ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعده. فقال لهم سالم: عليكم عهد الله وميثاقه، إن في هذا الأمر كنتم تخوضون وتتناجون. قالوا: أجل علينا عهد الله وميثاقه إنما كان في هذا الأمر بعينه لا في شيء سواه. قال سالم: وأنا والله أول من يعاقدكم على هذا الأمر ولا يخالفكم عليه، إنه والله ما طلعت الشمس على أهل بيت أبغض إلي من بني هاشم، ولا في بني هاشم أبغض إلي ولا أمقت من علي بن أبي طالب (عليه السلام) فاصنعوا في هذا الأمر ما بدا لكم، فإني واحد منكم، فتعاقدوا من وقتهم على هذا الأمر ثم تفرقوا (1).

(هامش)

(1) إرشاد القلوب، الديلمي ص 330 - 333، منشورات الشريف الرضي. (*)

ص 84

هل أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بوفاته الوشيكة

 لقد أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بموته الوشيك في سنة 11 هجرية، وإليك أدلة ذلك: 1 - نعى رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه قبل موته بشهر (1). 2 - دخل أبو سفيان على النبي (صلى الله عليه وآله) يوما فقال: يا رسول الله أريد أن أسألك عن شيء. فقال (صلى الله عليه وآله): إن شئت أخبرتك قبل أن تسألني. قال: افعل، قال (صلى الله عليه وآله): أردت أن تسأل عن مبلغ عمري. فقال: نعم يا رسول الله. فقال (صلى الله عليه وآله): إني أعيش ثلاثا وستين سنة. فقال: أشهد أنك صادق. فقال (صلى الله عليه وآله): بلسانك دون قلبك (2). 3 - وصعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنبر مودعا أهل الدين والدنيا مناديا: ألا من كانت له مظلمة قبل محمد (صلى الله عليه وآله) إلا قام فليقتص منه (3). 4 - وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) قبل موته بليلة لأبي مويهبة: إني قد أوتيت

(هامش)

(1) لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني 1 / 456. (2) قصص الأنبياء، البحار 22 / 504. (3) تاريخ الطبري، حوادث سنة 11 هجرية 2 / 433، 434. (*)

ص 85

مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة... لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي (1). 5 - وقال (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع أمام مسلمي ذلك الزمان: إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة، وإنه عارضني هذا العام مرتين، وما أراه إلا قد حضر أجلي (2). 6 - وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) أمام ملأ المسلمين في غدير خم: أيها الناس يوشك أن أدعى فأجيب، وأني مسؤول وأنكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ (3) 7 - وقد رأى العباس ذات ليلة في منامه أن القمر قد رفع من الأرض إلى السماء. فقال النبي (صلى الله عليه وآله) له: هو ابن أخيك. وقال العباس: عرفنا أن بقاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فينا قليل (4). 8 - وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أتزعمون أني من آخركم وفاة، ألا وإني من أولكم وفاة (5). إذا المسلمون وخاصة في المدينة المنورة عالمون بوفاة النبي (صلى الله عليه وآله)

(هامش)

(1) دلائل النبوة، البيهقي 7 / 162، البداية والنهاية، ابن كثير 5 / 224. (2) صحيح البخاري باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله)، الطبقات 2 / 194. (3) سنن الترمذي 2 / 298، سنن ابن ماجة ص 12، الطبقات 2 / 194. (4) الطبقات 2 / 193. (5) الطبقات، ابن سعد 2 / 193. (*)

ص 86

القريبة، وهذه النقطة يجب أن لا ينساها من يقرأ أو يفكر في أحداث السقيفة وما قبلها وما بعدها. 9 - وأخبر (صلى الله عليه وآله) عائشة بوفاته القريبة قائلا: ولا تؤذوني بباكية ولا برنة ولا بصيحة (1). 10 - وذكر عبد الله بن مسعود قائلا: نعى إلينا نبينا وحبيبنا نفسه قبل موته بشهر، فلما دنا الفراق جمعنا في بيت أمنا عائشة، فنظر إلينا وشدد فدمعت عينه وقال: مرحبا بكم رحمكم الله آواكم الله حفظكم الله، رفعكم الله، نفعكم الله، وفقكم الله، نصركم الله، سلمكم الله، قبلكم الله، أوصيكم بتقوى الله، وأوصي الله بكم، واستخلفه عليكم، وأؤديكم إليه إني لكم نذير وبشير، لا تعلوا على الله في عباده وبلاده، فإنه قال لي ولكم: { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين } (2). وقال { أليس في جهنم مثوى للمتكبرين } (3). فقلنا متى أجلك؟ قال (صلى الله عليه وآله): قد دنا الفراق والمنقلب إلى الله وإلى سدرة المنتهى. قلنا: فمن يغسلك يا نبي الله؟

(هامش)

(1) مختصر تاريخ ابن عساكر 2 / 371. (2) القصص: 28. (3) الزمر: 60. (*)

ص 87

قال (صلى الله عليه وآله): أهلي الأدنى فالأدنى. قلنا: ففيم نكفنك يا نبي الله؟ قال (صلى الله عليه وآله): في ثيابي هذه إن شئتم، أو في بياض مصر أو حلة يمانية. قلنا: فمن يصلي عليك يا نبي الله؟ قال (صلى الله عليه وآله): مهلا غفر الله لكم وجزاكم عن نبيكم خيرا. فبكينا وبكى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري ثم اخرجوا عني ساعة، فإن أول من يصلي علي جليسي وخليلي جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنود كثيرة من الملائكة بأجمعها، ثم ادخلوا علي فوجا فوجا فصلوا علي وسلموا تسليما، ولا تؤذوني بباكية ولا برنة ولا صيحة، وليبدأ بالصلاة علي رجال أهل بيتي ثم نساؤهم ثم أنتم... (1). 11 - وأخبر (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) بوفاته في وجعه (2). وجاء في القرآن الكريم آيات تؤيد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) منها: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم.. } (3). { كل نفس ذائقة الموت } (4).

(هامش)

(1) تاريخ الطبري 2 / 435، القصص: 83، الزمر: 60، الكامل في التاريخ 2 / 320. (2) صحيح البخاري، باب منقبة فاطمة (عليها السلام) 5 / 65، صحيح مسلم، فضائل فاطمة، الطبقات 2 / 193. (3) آل عمران: 144. (4) آل عمران: 144، 185. (*)

ص 88

{ إنك ميت وإنهم ميتون } (1). فهل يمكن بعد كل هذه الأدلة القرآنية والحديثية أن ينفي عمر بن الخطاب وعثمان الموت عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله)؟!

 انتداب عصبة قريش لحملة أسامة

 بعد عودة الرسول (صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع وصل إلى غدير خم وهناك أوصى لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) بالخلافة، وعينه إماما للأمة فبايعوه وفي المدينة دعا الناس للتوجه لحرب الروم، وفي ذلك الجيش معظم الصحابة. وذكرت أمهات الكتب الحديثية والتاريخية وجود أبي بكر وعمر وعثمان وابن الجراح فيمن انتدب إلى حملة الشام، فقد ذكر ابن سعد: فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواءا بيده ثم قال: اغز بسم الله وفي سبيل الله، فقاتل من كفر بالله، فخرج وعسكر بالجرف، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة، فيهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وغيره (2).

(هامش)

(1) الزمر: 30. (2) البداية والنهاية 8 / 73، الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 249، عيون الأثر، ابن سيد الناس 2 / 281، السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية، أحمد زيني دحلان 2 / 339، شرح نهج البلاغة، المعتزلي 6 / 52، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد بن حنبل 4 / 180، الكامل في التاريخ 4 / 66. (*)

ص 89

وبعد موت رسول الله طلب أبو بكر من أسامة الإذن لعمر بن الخطاب بالبقاء في المدينة والرخصة في عدم الذهاب في حملته إلى الشام (1). ولم يذهب أيضا باقي زعماء الحزب القرشي. إذن ثبت بالدليل القاطع والنص المتواتر وجود أبي بكر وعمر وعثمان وأبي عبيدة بن الجراح في جيش أسامة.

 معارضة عصبة قريش لحملة أسامة

 بعد أن أثبتنا انتداب عصبة قريش في حملة أسامة بن زيد، وفيهم أبو بكر وعمر وعثمان وأبو عبيدة بن الجراح، نبين هنا عصيان هؤلاء لهذه الحملة، ومعارضتهم لها، وامتناعهم عن الانضواء تحت لوائها في زمن حياة النبي (صلى الله عليه وآله) وفي زمن خلافة أبي بكر. وإثبات هذا الأمر يبين أن عصبة قريش كانت تتمنى موت رسول الله (صلى الله عليه وآله) سريعا لرفضها الذهاب في حملة أسامة إلى الشام، فهي تخاف الذهاب إلى حرب الروم في الشام وتخشى انتقال الخلافة إلى علي (عليه السلام).

(هامش)

(1) عيون الأثر، ابن سيد الناس 2 / 282، تاريخ اليعقوبي 2 / 127، تاريخ الطبري 2 / 462، الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 335، مختصر تاريخ ابن عساكر 4 / 251، 152، الخلفاء ص 11، الطبقات 2 / 191. (*)

ص 90

وذكريات معركة مؤتة ما زالت عالقة في أذهانهم حيث استشهد فيها جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة. وقد استدعى الرسول (صلى الله عليه وآله) أبا بكر وعمر وجماعة ممن حضر المسجد من المسلمين (يوم الاثنين) ثم قال (صلى الله عليه وآله): ألم آمر أن تنفذوا جيش أسامة؟ فقالوا: بلى يا رسول الله. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فلم تأخرتم عن أمري؟ قال أبو بكر: إني خرجت ثم رجعت لأجدد بك عهدا. وقال عمر: يا رسول الله إني لم أخرج لأنني لم أحب أن أسأل عنك الركب. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): انفذوا جيش أسامة يكررها ثلاثا (1). واستمر عمر في معارضة حملة أسامة في زمن خلافة أبي بكر إذ قال لأبي بكر: إن الأنصار أمروني أن أبلغك، وأنهم يطلبون إليك أن تولي رجلا أقدم سنا من أسامة. فوثب أبو بكر وكان جالسا فأخذ بلحية عمر فقال له: ثكلتك أمك يا بن الخطاب، استعمله رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتأمرني أن أنزعه (2). واستمر عمر في مخالفته للحملة بالرغم مما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) ممتنعا

(هامش)

(1) كتاب الإرشاد ص 96. (2) تاريخ الطبري 2 / 462، تاريخ أبي الفداء 1 / 220. (*)

ص 91

عن الذهاب في حملة أسامة فأخذ أبو بكر له إذنا من أسامة بالبقاء في المدينة إذ جاء: أمر أبو بكر أسامة بن زيد أن ينفذ في جيشه وسأله أن يترك له عمر يستعين به على أمره، فقال أسامة: فما تقول في نفسك؟ (أبو بكر ما زال اسما جنديا في تلك الحملة) فقال أبو بكر: يا بن أخي فعل الناس ما ترى فدع لي عمر وأنفذ لوجهك، فخرج أسامة بالناس (1). وهكذا امتنع أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم من الذهاب في حملة أسامة في زمن حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي زمن حكم أبي بكر. وهذا يبين إصرار عصبة قريش على عصيان أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وخوفهم من مقابلة الروم في حرب دامية. ومن صفات أفراد الحزب القرشي في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي زمن الخلفاء الامتناع عن المشاركة في الحروب والهروب منها بشتى الوسائل المتاحة (2).

 أعمال عصبة قريش الخطيرة ضد الرسول (صلى الله عليه وآله) قبل وبعد شهادته

 بعد عودة النبي (صلى الله عليه وآله) من الحج ووصيته إلى علي (عليه السلام) في خطبة الوداع

(هامش)

(1) البداية والنهاية 8 / 73. (2) راجع كتاب نظريات الخليفتين، للمؤلف 1 / 255 - 293. (*)

ص 92

وفي خطبة الغدير أمر عصبة قريش بالانخراط في حملة أسامة، وعندها اشتدت الخصومة بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين المتحفزين للسيطرة على الحكم الذين لم يتحملوا وصية النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام). فبرزت الخصومة واضحة بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) من جهة وأبي بكر وعمر وعائشة وحفصة من جهة أخرى. فكانت آراء وأقوال وأعمال هؤلاء المعارضة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) متمثلة بما يلي: 1 - رفضت عصبة قريش الانضمام إلى صفوف جيش أسامة وعلى رأس هؤلاء أبو بكر وعمر، فذهب أبو بكر إلى السنح بعد أن سم الرسول (صلى الله عليه وآله)، فبقي بجانب زوجته هناك، ولم يعد إلا بعد مقتل النبي (صلى الله عليه وآله) بالسم (1). واستمر عصيان أبي بكر لحملة أسامة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يذهب فيها لا قائدا ولا مأمورا رغم مطالبة أسامة له بذلك. وقد رفض عمر الانضمام إلى حملة أسامة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وفي زمن أبي بكر رغم الأمر النبوي له بذلك. بل إنه طالب أبا بكر بإقالة أسامة من منصبه وعصيان الأمر الإلهي في تعيينه. لكنه استمر بمناداة أسامة بالأمير في زمن خلافة أبي بكر: إذ أخرج ابن كثير: كان عمر إذا لقيه (أسامة بن زيد) يقول: السلام عليك أيها الأمير (2).

(هامش)

(1) إذ أخبره بذلك مبعوث عمر إليه وهو سالم بن عبيد * كنز العمال 7 / 232 ط. مؤسسة الرسالة. (2) التحفة اللطيفة، السخاوي، البداية والنهاية، ابن كثير 8 / 73، طبع مؤسسة التاريخ العربي - بيروت. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

اغتيال النبي (ص)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب