ص 79
فأرسلا إلى جماعة الطلقاء والمنافقين فخبراهم بالأمر فأقبل بعضهم على بعض وقالوا:
إن محمدا يريد أن يجعل هذا الأمر في أهل بيته كسنة كسرى وقيصر إلى آخر الدهر، لا
والله ما لكم في الحياة من حظ إن أفضي هذا الأمر إلى علي بن أبي طالب، وأن محمدا
عاملكم على ظاهركم، وأن عليا يعاملكم على ما يجد في نفسه منكم، فأحسنوا النظر
لأنفسكم في ذلك وقدموا آراءكم فيه. ودار الكلام فيما بينهم وأعادوا الخطاب وأجالوا
الرأي فاتفقوا على أن ينفروا بالنبي (صلى الله عليه وآله) ناقته على عقبة الهريش،
وقد كانوا صنعوا مثل ذلك في غزاة تبوك، فصرف الله الشر عن نبيه (صلى الله عليه
وآله) فاجتمعوا في أمر رسول الله من القتل والاغتيال واستقاء السم على غير وجه، وقد
كان اجتمع أعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الطلقاء من قريش والمنافقين من
الأنصار، ومن كان في قلبه الارتداد من العرب في المدينة وما حولها، فتعاقدوا
وتحالفوا على أن ينفروا به ناقته، وكانوا أربعة عشر رجلا، وكان من عزم رسول الله أن
يقيم عليا (عليه السلام) وينصبه للناس بالمدينة إذا أقدم، فسار رسول الله يومين
وليلتين، فلما كان في اليوم الثالث أتاه جبرائيل (عليه السلام) بآخر سورة الحجر
فقال: إقرأ ولنسألهم أجمعين عما كانوا يعملون، فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين
إنا كفيناك المستهزئين. قال: ورحل رسول الله وأغدق السير مسرعا على دخول المدينة
لينصب عليا (عليه السلام) علما للناس، فلما كانت الليلة الرابعة هبط جبرائيل (عليه
السلام) في آخر الليل فقرأ عليه:
ص 80
{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك
من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين } (1)، فقال (صلى الله عليه وآله): أما
تراني يا جبرائيل أغدق السير مجدا فيه لأدخل المدينة فأعرض ولاية علي على الشاهد
والغائب. فقال له جبرائيل (عليه السلام): الله يأمرك أن تفرض ولاية علي غدا إذا
نزلت منزلك. فقال رسول الله: نعم يا جبرائيل غدا أفعل ذلك إن شاء الله، وأمر رسول
الله بالرحيل من وقته، وسار الناس معه حتى نزل بغدير خم، وصلى بالناس وأمرهم أن
يجتمعوا إليه، ودعا عليا (عليه السلام) ورفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يد علي
اليسرى بيده اليمنى ورفع صوته بالولاء لعلي على الناس أجمعين، وفرض طاعته عليهم،
وأمرهم أن لا يختلفوا عليه بعده، وخبرهم أن ذلك عن الله عز وجل، وقال لهم: ألست
أولى بالمؤمنين من أنفسهم. قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، ثم أمر الناس أن
يبايعوه فبايعه الناس جميعا ولم يتكلم منهم أحد. وقد كان أبو بكر وعمر تقدما إلى
الجحفة فبعث وردهما، ثم قال لهما النبي (صلى الله عليه وآله) متهجما: يا بن أبي
قحافة ويا عمر بايعا عليا