تنحل إلى أكثر من
قضية واحدة.
أقسام البسيطة:
واهم البسائط ثمان
وإن كانت تبلغ أكثر من ذلك:
1ـ
(الضرورية الذاتية). ويعنون بها ما دلت على
ضرورة ثبوت المحمول لذات الموضوع أو سلبه عنه ما دام ذات الموضوع موجوداً من دون
قيد ولا شرط, فتكون مادتها وجهتها الوجوب في الموجبة, والامتناع في السالبة نحو:
الإنسان حيوان
بالضرورة. الشجر ليس متنفسا بالضرورة.
وعندهم ضرورية
تسمى (الضرورية الأزلية) وهي التي حكم فيها
بالضرورة الصرفة بدون قيد فيها حتى قيد ما دام ذات الموضوع, وهي تنعقد في وجود الله
تعالى وصفاته, مثل: (الله موجود بالضرورة الأزلية),
وكذا (الله حي عالم قادر بالضرورة الأزلية).
2ـ (المشروطة
العامة), وهي من قسم الضرورية, ولكن ضرورتها مشروطة ببقاء عنوان الموضوع ثابتا
لذاته, نحو: الماشي متحرك بالضرورة ما دام على هذه الصفة. أما ذات الموضوع بدون قيد
عنوان الماشي فلا يجب له التحرك.
3ـ
(الدائمة المطلقة), وهي ما دلت على دوام ثبوت
المحمول لذات الموضوع أو سلبه عنه ما دام الموضوع بذاته موجودا, سواء كان ضروريا له
أو لا, نحو: (كل فلك متحرك دائما. لا زال الحبشي اسود)
فإنه لا يمتنع أن يزول سواد الحبشي وحركة الفلك, ولكنه لم يقع.
4ـ (العرفية
العامة), وهي من قسم الدائمة, ولكن الدوام فيها مشروط ببقاء عنوان الموضوع ثابتا
لذاته, فهي تشبه المشروطة العامة من ناحية اشتراط جهتها ببقاء عنوان الموضوع, نحو:
(كل كاتب متحرك الأصابع دائما ما دام كاتبا),
فتحرك الأصابع ليس دائما ما دام الذات, ولكنه دائم ما دام عنوان الكاتب ثابتا لذات
الكاتب.
5ـ
(المطلقة العامة) وتسمى الفعلية, وهي ما دلت
على إن النسبة واقعة فعلا, وخرجت من القوة إلى الفعل ووجدت بعد أن لم تكن, سواء
كانت ضرورية أو لا, وسواء كانت دائمة أو لا, وسواء كانت واقعة في الزمان الحاضر أو
في غيره نحو: (كل إنسان ماش بالفعل وكل فلك متحرك
بالفعل).
وعليه فالمطلقة
العامة أعم من جميع القضايا السابقة.
6ـ
(الحينية المطلقة), وهي من قسم المطلقة, فتدل على فعلية النسبة أيضا,
لكن فعليتها حين اتصاف ذات الموضوع بوصفه وعنوانه, نحو:
(كل طائر خافق الجناحين بالفعل حين هو طائر), فهي تشبه المشروطة
والعرفية من ناحية اشتراط جهتها بوصف الموضوع وعنوانه.
7ـ (الممكنة
العامة), وهي ما دلت على سلب ضرورة الطرف المقابل للنسبة المذكورة في القضية, فإن
كانت القضية موجبة دلت على سلب ضرورة السلب, وإن كانت سالبة دلت على سلب ضرورة
الإيجاب.
ومعنى ذلك أنها
تدل على أن النسبة المذكورة في القضية غير ممتنعة سواء كانت ضرورية أو لا, وسواء
كانت واقعة أو لا, وسواء كانت دائمة أو لا نحو (كل إنسان
كاتب بالإمكان العام) أي أن الكتابة لا يمتنع ثبوتها لكل إنسان فعدمها
ليس ضروريا, وإن اتفق أنها لا تقع لبعض الأشخاص.
وعليه فالممكنة
العامة أعم من جميع القضايا السابقة.
8ـ
(الحينية الممكنة), وهي من قسم الممكنة ولكن
امكانها بلحاظ اتصاف ذات الموضوع بوصفه وعنوانه, نحو: (كل
ماش مضطرب اليدين بالامكان العام حين هو ماش).
والحينية الممكنة
يؤتى بها عندما يتوهم المتوهم ان المحمول يمتنع ثبوته للموضوع حين اتصافه بوصفه.
أقسام المركبة:
قلنا فيما تقدم:
أن المركبة ما انحلت إلى قضيتين موجبة وسالبة ونزيدها هنا توضيحا, فنقول: أن
المركبة تتألف من قضية مذكورة بعبارة صريحة هي الجزء الأول منها
(سواء كانت موجبة أو سالبة, وباعتبار هذا الجزء الصريح تسمى
المركبة موجبة أو سالبة) ومن قضية أخرى تخالف الجزء الأول بالكيف
وتوافقه بالكم غير مذكورة بعبارة صريحة, وإنما يشار إليها, بنحو كلمة
(لا دائما) و (لا
بالضرورة).
وإنما يلتجأ إلى
التركيب, عندما تستعمل قضية موجبة عامة تحتمل وجهين الضرورة واللاضرورة أو الدوام
واللادوام, فيراد بيان أنها ليست بضرورية أو ليست بدائمة, فيضاف الى القضية مثل
كلمة لا بالضرورة أو لا دائما.
مثل ما إذا قال
القائل: (كل مصل يتجنب الفحشاء بالفعل) فيحتمل
أن يكون ذلك ضروريا لا ينفك عنه ويحتمل إلا يكون ضروريا, فلأجل دفع الاحتمال ولأجل
التنصيص على انه ليس بضروري تُقيدُ القضية بقولنا (لا
بالضرورة).
كما يحتمل أن يكون
ذلك دائما ويحتمل إلا يكون, ولأجل دفع الاحتمال وبيان أنه ليس بدائم تقيد القضية
بقولنا (لا دائما).
فالجزء الأول وهو
(كل مصلٍّ يتجنب الفحشاء بالفعل)
قضية موجبة كلية مطلقة عامة, والجزء الثاني وهو
(لا بالضرورة)
يشار به إلى قضية سالبة كلية ممكنة عامة لان معنى
(لا بالضرورة)
أن تجنب الفحشاء ليس بضروري لكل مصل, فيكون مؤداه أنه يمكن سلب تجنب الفحشاء على
المصلي ويعبر عن هذه القضية بقولهم:
(لا شيء من المصلي بمتجنب للفحشاء بالإمكان العام).
وكذا لو كان الجزء
الثاني هو
(لا دائما)
فإنه يشار به إلى قضية سالبة كلية ولكنها مطلقة عامة, لان معنى
(لا دائما)
أن تجنب الفحشاء لا يثبت لكل مصلٍّ دائما, فيكون المؤدي
(لا شيء من المصلي بمتجنب للفحشاء بالفعل).
وأهم القضايا
المركبة المتعارفة ست:
1ـ (المشروطة
الخاصة)
وهي المشروطة العامة المقيدة باللادوام الذاتي. والمشروطة العامة هي الدالة على
ضرورة ثبوت المحمول للموضوع ما دام الوصف ثابتا له, فيحتمل فيها أن يكون المحمول
دائم الثبوت لذات الموضوع وإن تجرد عن الوصف ويحتمل إلا يكون. ولأجل دفع الاحتمال
وبيان انه غير دائم الثبوت لذات الموضوع تقيد القضية باللادوام الذاتي, فيشار به
إلى قضية مطلقة عامة.
فتتركب المشروطة
الخاصة ـ على هذا ـ من مشروطة عامة صريحة ومطلقة عامة مشار إليها بكلمة
(لا دائما) نحو
(كل شجر نام بالضرورة ما دام شجراً لا دائما)
أي لا شيء من الشجر بنام بالفعل. وإنما سميت خاصة لأنها أخص من المشروطة العامة.
2ـ (العرفية
الخاصة)
وهي العرفية العامة المقيدة باللادوام الذاتي. ومعناه ان المحمول وإن كان دائماً ما
دام الوصف هو غير دائم ما دام الذات, فيرفع به احتمال الدوام ما دام الذات. ويشار
باللادوام الى قضية مطلقة عامة كالسابق نحو:
(كل شجر نام دائما ما دام شجرا لا دائما) أي لا شيء من الشجر بنام
بالفعل.
فتتركب العرفية
الخاصة من عرفية عامة صريحة ومطلقة عامة مشار اليها بكلمة
(لا دائما). وانما سميت خاصة لانها اخص من العرفية العامة.
إذ العرفية العامة
تحتمل الدوام ما دام الذات وعدمه, والعرفية الخاصة مختصة بعدم الدوام ما دام الذات.
3ـ (الوجودية
اللاضرورية)
وهي المطلقة العامة المقيدة باللاضرورية الذاتية, لان المطلقة العامة يحتمل فيها ان
يكون المحمول ضروريا لذات الموضوع ويحتمل عدمه, ولأجل التصريح بعدم ضرورة ثبوته
لذات الموضوع تقيد بكلمة
(لا بالضرورة)
وسلب الضرورة معناه الامكان العام, لان الامكان العام هو سلب الضرورة عن الطرف
المقابل, فإذا سلبت الضرورة عن الطرف المذكور صريحا في القضية ولنفرضه حكما ايجابيا
فمعناه أن الطرف المقابل وهو السلب موجه بالإمكان العام.
وعليه فيشار بكلمة
(لا بالضرورة)
إلى ممكنة عامة, فإذا قلت:
(كل إنسان متنفس بالفعل لا بالضرورة) فإن
(لا بالضرورة)
إشارة إلى قولك: لا شيء من الإنسان بمتنفس بالإمكان العام.
فتتركب إذن
الوجودية اللاضرورية من مطلقة عامة وممكنة عامة, وإنما سميت وجودية لأن المطلقة
العامة تدل على تحقق الحكم ووجوده خارجا, وسميت لا ضرورية لتقيدها باللاضرورة.
4ـ (الوجودية
اللادائمة),
وهي المطلقة العامة المقيدة بالادوام الذاتي, لأن المطلقة العامة يحتمل فيها أن
يكون المحمول دائم الثبوت لذات الموضوع ويحتمل عدمه, ولأجل التصريح بعدم الدوام
تقيد القضية بكلمة
(لا دائما),
فيشار بها إلى مطلقة عامة كما تقدم, فتتركب الوجودية اللادائمة من مطلقتين عامتين,
وسميت وجودية للسبب المتقدم.
نحو
(لا شيء من الإنسان بمتنفس بالفعل لا دائما) أي أن كل إنسان متنفس
بالفعل.
5ـ (الحينية
اللادائمة),
وهي الحينية
المطلقة المقيدة بالادوام الذاتي, لأن الحينية المطلقة معناها أن المحمول فعلي
الثبوت للموضوع حين اتصافه بوصفه, فيحتمل فيها الدوام ما دام الموضوع وعدمه, ولأجل
التصريح بعدم الدوام تقيد
(باللادوام الذاتي) الذي يشار به الى مطلقة عامة كما تقدم, فتتركب
الحينية اللادائمة من حينية مطلقة, ومطلقة عامة. نحو
(كل طائر خافق الجناحين بالفعل حين هو طائر لا دائما),
أي لا شيء من الطائر بخافق الجناحين بالفعل.
6ـ (الممكنة
الخاصة), و هي
الممكنة العامة المقيدة باللاضرورة الذاتية, ومعناها أن الطرف الموافق المذكور في
القضية ليس ضروريا كما كان الطرف المخالف حسب التصريح في القضية ليس ضروريا أيضا,
فيرفع بقيد اللاضرورة احتمال الوجوب إذا كانت القضية موجبة واحتمال الامتناع إذا
كانت سالبة. ومفاد مجموع القضية بعد التركيب هو الإمكان الخاص الذي هو عبارة عن سلب
الضرورة عن الطرفين.
فتتركب الممكنة
الخاصة من ممكنتين عامتين, وتكون فيها الجهة نفس المادة الواقعية إذا كانت صادقة.
ويكفي لإفادة ذلك
تقييد القضية بالإمكان الخاص اختصارا, فنقول:
(كل حيوان متحرك بالامكان الخاص)
أي كل حيوان متحرك بالإمكان العام, ولا شيء من الحيوان بمتحرك بالإمكان العام.
والتعبير بالامكان
الخاص بمنزلة ما لو قيدت الممكنة العامة باللاضرورة, كما لو قلت في المثال:
(كل حيوان متحرك بالامكان العام لا بالضرورة).
الخلاصة:
تمرينات
1 ـ
اذكر ماذا بين الضرورية الذاتية وبين الدائمة المطلقة من النسب الأربع وكذا ما بين
الضرورية الذاتية وبين المشروطة العامة والعرفية العامة.
2ـ اذكر النسبة
بين الدائمة المطلقة وبين كل من المطلقة العامة والعرفية العامة!
3ـ ما النسبة بين
المشروطة العامة والعرفية العامة, وكذا بين الضرورية الذاتية والمشروطة الخاصة.
4ـ لو انا قيدنا
المشروطة العامة باللاضرورية الذاتية هل يصح التركيب؟
5ـ هل ترى يصح
تقييد الحينية المطلقة باللاضرورية الذاتية؟ واذا صح ماذا ينبغي ان نسمي هذه القضية
المركبة؟
6ـ هل يصح تقييد
الدائمة المطلقة باللاضرورة الذاتية؟
7ـ اذكر مثالا
واحدا من نفسك لكل من الموجهات البيسطة ثم اجعلها مركبة بواحدة من التركيبات الستة
المذكورة الممكنة لها.
تقسيمات الشرطية الأخرى

تقدم أن الشرطية
تنقسم باعتبار نسبتها إلى متصلة ومنفصلة, وباعتبار الكيف الى موجبة وسالبة,
وباعتبار الأحوال والأزمان إلى شخصية ومهملة ومحصورة, والمحصورة الى كلية وجزئية.
وقد بقي تقسيم كل من المتصلة والمنفصلة إلى أقسامها.
اللزومية
والاتفاقية
تنقسم المتصلة
باعتبار طبيعة الاتصال بين المقدم والتالي الى لزومية واتفاقية:
1ـ (اللزومية)
وهي التي بين طرفيها اتصال حقيقي لعلاقة توجب استلزام احدهما للآخر, بأن يكون
أحدهما علة للآخر, أو معلولين لعلة واحدة.
نحو
(إذا سخن الماء فإنه يتمدد)
والمقدم علة للتالي. ونحو
(إذا تمدد الماء فإنه ساخن)
والتالي علة للمقدم, بعكس الأول. ونحو
(إذا غلا الماء فانه يتمدد)
وفيه الطرفان معلولان لعلة واحدة, لأن الغليان والتمدد معلولان للسخونة إلى درجة
معينة.
2ـ (الاتفاقية)
وهي التي ليس بين طرفيها اتصال حقيقي لعدم العلقة التي توجب الملازمة, ولكنه يتفق
حصول التالي عند حصول المقدم, كما لو اتفق أن محمدا الطالب لا يحضر الدرس إلا بعد
شروع المدرس؛ فتؤلف هذه القضية الشرطية
(كلما جاء محمد فإن المدرس قد سبق شروعه في الدرس).
وليس هنا أية علاقة بين مجيء محمد وسبق شروع الدرس, وإنما ذلك بمحض الصدفة
المتكررة.
ومن لم يتنور بنور
العلم والمعرفة كثيرا ما يقع في الغلط فيظن في كثير من الاتفاقيات أنها قضايا
لزومية لمجرد تكرر المصادفة.
أقسام المنفصلة
للمنفصلة تقسيمات:
أ. العنادية
والاتفاقية:
وهذا التقسيم
باعتبار طبيعة التنافي بين الطرفين, كالمتصلة فتنقسم إلى:
1ـ (العنادية) وهي
التي بين طرفيها تناف وعناد حقيقي, بأن تكون ذات النسبة في كل منهما, تنافي وتعاند
ذات النسبة في الآخر, نحو
(العدد الصحيح أما أن يكون زوجا أو فردا).
2ـ (الاتفاقية)
وهي التي لا يكون التنافي بين طرفيها حقيقيا ذاتيا, وإنما يتفق أن يتحقق أحدهما
بدون الآخر لأمر خارج عن ذاتهما, نحو:
(أما أن يكون الجالس في الدار محمدا أو باقرا)
إذا اتفق أن علم أن غيرهما لم يكن. ونحو:
(هذا الكتاب أما أن يكون في علم المنطق وأما أن يكون مملوكا لخالد)
إذا اتفق أن خالدا لا يملك كتابا في علم المنطق واحتمل أن يكون هذا الكتاب المعين
في هذا العلم.
ب ـ الحقيقية
ومانعة الجمع ومانعة الخلو:
وهذا التقسيم
باعتبار امكان اجتماع الطرفين ورفعهما وعدم إمكان ذلك, فتنقسم إلى:
1ـ (حقيقية) وهي
ما حكم فيها بتنافي طرفيها صدقا وكذبا في الإيجاب وعدم تنافيهما كذلك في السلب,
بمعنى أنه لا يمكن اجتماعهما ولا ارتفاعهما في الإيجاب, ويجتمعان ويرتفعان في
السلب.
مثال الإيجاب ـ
العدد الصحيح أما أن يكون زوجا أو فردا, فالزوج والفرد لا يجتمعان ولا يرتفعان.
مثال السلب ـ ليس
الحيوان أما أن يكون ناطقا وأما أن يكون قابلا للتعليم فالناطق والقابل للتعليم
يجتمعان في الإنسان ويرتفعان في غيره.
وتستعمل الحقيقية
في القسمة الحاصرة: الثنائية وغيرها. واستعمالها أكثر من أن يحصى.
2ـ (مانعة جمع),
وهي ما حكم فيها بتنافي طرفيها أو عدم تنافيهما صدقا لا كذبا, بمعنى أنه لا يمكن
اجتماعهما ويجوز أن يرتفعا معاً في الإيجاب ويمكن اجتماعهما ولا يمكن ارتفاعهما في
السلب.
مثال الإيجاب ـ
أما أن يكون الجسم أبيض أو أسود. فالأبيض والأسود لا يمكن اجتماعهما في جسم واحد
ولكنه يمكن ارتفاعهما في الجسم الأحمر.
مثال السلب ـ ليس
أما أن يكون الجسم غير ابيض أو غير أسود فإن غير الأبيض وغير الأسود يجتمعان في
الأحمر, ولا يرتفعان في الجسم الواحد بان لا يكون غير أبيض ولا غير أسود بل يكون
أبيض وأسود. وهذا محال.
وتستعمل مانعة
الجمع في جواب من يتوهم إمكان الاجتماع بين شيئين, كمن يتوهم أن الإمام يجوز أن
يكون عاصيا لله, فيقال له:
(أن الشخص أما أن يكون إماما أو عاصيا لله)
ومعناه أن الإمامة والعصيان لا يجتمعان وإن جاز أن يرتفعا بأن يكون شخص واحد ليس
إماما وعاصيا.
هذا في الموجبة
وأما في السالبة فتستعمل في جواب من يتوهم استحالة اجتماع شيئين, كمن يتوهم امتناع
اجتماع النبوة والإمامة في بيت واحد, فيقال له
(ليس إما أن يكون البيت الواحد فيه نبوة أو إمامة)
ومعناه أن النبوة والإمامة لا مانع من اجتماعهما في بيت واحد.
3ـ (مانعة خلو)
وهي ما حكم فيها بتنافي طرفيها أو عدم تنافيهما كذبا لا صدقا, بمعنى أنه لا يمكن
ارتفاعهما ويمكن اجتماعهما في الإيجاب ويمكن ارتفاعهما ولا يمكن اجتماعهما في
السلب:
مثال الإيجاب ـ
الجسم إما أن يكون غير أبيض أو غير أسود, أي أنه لا يخلو من أحدهما وإن اجتمعا.
ونحو
(أما أن يكون الجسم في الماء أو لا يغرق)
فإنه يمكن اجتماعهما بان يكون في الماء ولا يغرق ولكن لا يخلو الواقع من احدهما
لامتناع أن لا يكون الجسم في الماء ويغرق.
مثال السلب ـ ليس
إما أن يكون الجسم أبيض وإما أن يكون أسود, ومعناه أن الواقع قد يخلو من احدهما وان
كانا لا يجتمعان.
وتستعمل مانعة
الخلو الموجبة في جواب من يتوهم إمكان أن يخلو الواقع من الطرفين, كمن يتوهم أنه
يمكن أن يخلو الشيء من أن يكون علة ومعلولا, فيقال له:
(كل شيء لا يخلو إما أن يكون علة أو معلولا), وإن جاز أن يكون شيء واحد
علة ومعلولا معا: علة لشيء ومعلولا لشيء آخر.
وإما السالبة
فتستعمل في جواب من يتوهم أن الواقع لا يخلو من الطرفين, كما يتوهم انحصار أقسام
الناس في عاقل لا دين له, ودين لا عقل له, فيقال له:
(ليس الانسان إما أن يكون عاقلا لا دّين له أو ديّنا لا عقل له)
بل يجوز أن يكون شخص واحد عاقلا ودّينا معا.
تنبيه
قد يغفل المبتدئ
عن بعض القضايا, فلا يسهل عليه إلحاقها بقسمها من أنواع القضايا, لا سيما في
التعبيرات الدارجة في ألسنة المؤلفين التي لم توضع بصورة فنية مضبوطة كما تقتضيها
قواعد المنطق. وهذه الغفلة قد توقعه في الغلط عند الاستدلال أو لا يهتدي إلى وجه
الاستدلال في كلام غيره. وتكثر هذه الغفلة في الشرطيات.
فلذلك وجب التنبيه
على أمور تنفع في هذا الباب نرجو أن يستعين بها المبتدئ.
1ـ تأليف
الشرطيات
أن الشرطية تتألف
من طرفين هما قضيتان بالأصل, والمنفصلة بالخصوص قد تتألف من ثلاثة أطراف فأكثر.
فالطرفان أو الإطراف التي هي القضايا بالأصل قد تكون من الحمليات أو من المتصلات أو
من المنفصلات أو من المختلفات بأن تتألف المتصلة مثلاً من حملية ومتصلة. وترتقي
أقسام تأليف الشرطيات إلى وجوه كثيرة لا فائدة في إحصائها. وعلى الطالب أن يلاحظ
ذلك بنفسه, ولا يغفل عنه, فقد ترد عليه شرطية مؤلفة من متصلة ومنفصلة, فيظن أنها
أكثر من قضية. وللتوضيح نذكر بعض الوجوه وأمثلتها:
فمثلاً قد تتألف
المتصلة من حملية ومتصلة نحو:
(إن كان العلم سببا للسعادة فإن كان الانسان عالما كان سعيدا),
فإن المقدم في هذه القضية حملية والتالي متصلة وهو إن كان الانسان عالما كان سعيدا.
وقد تتألف المتصلة
من حملية ومنفصلة نحو:
(إذا كان اللفظ مفردا فإما أن يكون اسما أو فعلا أو حرفا)
فالمقدم حملية والتالي منفصلة ذات ثلاثة أطراف.
وقد تتألف
المنفصلة من حملية ومتصلة نحو
(إما أن لا تكون حيلولة الأرض مسببا لخسوف القمر أو إذا حالت الأرض بين القمر
والشمس كان القمر منخسفا).
وهكذا قد تتألف
المتصلة أو المنفصلة من متصلتين أو منفصلتين أو متصلة ومنفصلة ويطول ذكر أمثلتها.
ثم أن الشرطية
التي تكون طرفا في شرطية أيضاً تأليفها يكون من الحمليات أو الشرطيات أو المختلفات
وهكذا فتنبه لذلك.
2ـ المنحرفات
ومن الموهمات في
القضايا انحراف القضية عن استعمالها الطبيعي ووضعها المنطقي, فيشتبه حالها بأنها من
أي نوع, ومثل هذه تسمى
(منحرفة).
وهذا الانحراف قد
يكون في الحملية, كما لو اقترن سورها بالمحمول, مع أن الاستعمال الطبيعي أن يقرن
بالموضوع, كقولهم: الانسان بعض الحيوان, أو الانسان ليس كل الحيوان. وحق الاستعمال
فيهما أن يقال: بعض الحيوان انسان.
وليس كل حيوان
انسانا.
وقد يكون الانحراف
في الشرطية, كما لو خلت عن أدوات الاتصال والعناد, فتكون بصورة حملية وهي في قوة
الشرطية, نحو (لا تكون الشمس طالعة أو يكون النهار موجودا) فهي إما في قوة المتصلة
وهي قولنا:
(كلما كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا وإما في قوة المنفصلة وهي قولنا: أما أن
لا تكون الشمس طالعة وإما أن يكون النهار موجودا.
ونحو
(ليس يكون النهار موجودا إلا والشمس طالعة)
وهي أيضا في قوة المتصلة أو المنفصلة المتقدمتين. ونحو
(لا يجتمع المال إلا من شح أو حرام)
فإنها في قوة المنفصلة وهي قولنا: إما أن يجتمع المال من شح أو من حرام, أو في قوة
المتصلة وهي قولنا: أن اجتمع المال فاجتماعه أما من شح أو من حرام. وهذه متصلة
مقدمها حملية وتاليها منفصلة بالأصل.
وعلى الطالب أن
يلاحظ ويدقق القضايا المستعملة في العلوم, فإنها كثيرا ما تكون منحرفة عن أصلها
فيغفل عنها. وليستعمل فطنته في إرجاعها إلى أصلها.
تطبيقات
1ـ كيف ترد هذه
القضية إلى أصلها (ليس للإنسان إلا ما سعى)؟
الجواب: أن هذه
قضية فيها حصر فهي تنحل إلى حمليتين موجبة وسالبة, فهي منحرفة. والحمليتان هما: كل
إنسان له نتيجة سعيه. وليس للإنسان ما لم يسع إليه.
2ـ من أي القضايا
قوله:
(أزرى بنفسه من استشعر الطمع)؟
الجواب: أنها قضية
منحرفة عن متصلة وهي في قوة قولنا: كلما استشعر المرء الطمع أزرى بنفسه.
3ـ كيف ترد هذه
القضية إلى أصلها:
(ما خاب من تمسك بك)؟
الجواب: أنها
منحرفة عن حملية موجبة كلية وهي: كل من تمسك بك لا يخيب.
تمرينات
1ـ لو قال القائل:
(كلما كان الحيوان مجترا كان مشقوق الظلف)
أو قال:
(كلما كان الانسان قصيرا كان ذكيا)
فماذا نعد هاتين القضيتين من اللزوميات أو من الاتفاقيات؟
2ـ بين نوع هذه
القضايا وارجع المنحرفة إلى أصلها.
أ ـ إذا ازدحم
الجواب خفى الصواب.
ب ـ إذا كثرت
المقدرة قلت الشهوة.
ج ـ من نال
استطال.
د ـ رضي بالذل من
كشف عن ضره.
هـ ـ إنما يخشى
الله من عباده العلماء.
3ـ قولهم
(الدهر يومان يوم لك ويوم عليك)
من أي انواع القضايا. واذا كانت منحرفة فأرجعها إلى تصلها وبين نوعها.
4ـ من أي القضايا
قول علي $
( لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا).
وإذا كانت منحرفة فارجعها إلى أصلها وبين نوعها.
الخلاصة:
الشرطية |
منفصلة |
متصلة |
اتفاقية |
عنادية |
لزومية |
اتفاقية |
|
حقيقية |
مانعة
جمع |
مانعة خلو |
|
|
الفصل الثاني
في أحكام القضايا أو النسب بينها
تمهيد:

كثيرا ما يعاني الباحث مشقة في البرهان على مطلوبه مباشرة, بل
قد يمتنع عليه ذلك أحيانا, فيلتجئ إلى البرهان على قضية أخرى لها نسبة مع القضية
المطلوبة ليقارنها بها: فقد يحصل له من العلم بصدق القضية المبرهن عليها العلم بكذب
القضية المطلوبة, أو بالعكس. وذلك إذا كان هناك تلازم بين صدق أحداهما وكذب الأخرى.
وقد يحصل له من العلم بصدق القضية المبرهن عليها العلم بصدق القضية المطلوبة أو من
العلم بكذب الأولى العلم بكذب الثانية. وذلك إذا كان صدق الأولى يستلزم صدق الثانية
أو كان كذبها يستلزم كذبها.
فلا بد للمنطقي قبل الشروع في مباحث الاستدلال وبعد إلمامه
بجملة من القضايا أن يعرف النسب بينها, حتى يستطيع أن يبرهن على مطلوبه أحيانا من
طريق البرهنة على قضية أخرى لها نسبتها مع القضية المطلوبة, فينتقل ذهنه من القضية
المبرهن على صدقها أو كذبها إلى صدق أو كذب القضية التي يحاول تحصيل العلم بها.
والمباحث التي تعرف بها النسب بين القضايا هي مباحث التناقض
والعكس المستوي وعكس النقيض وملحقاتها. وتسمى (أحكام القضايا). ونحن نشرع ـ إن شاء
الله تعالى ـ في هذه المباحث على هذا الترتيب المتقدم.
التناقض
الحاجة إلى هذا البحث والتعريف به:

قلنا في التمهيد: أن كثيرا ما تمس الحاجة الى الاستدلال على
قضية ليست هي نفس القضية المطلوبة. ولكن العلم بكذبها يلزمه العلم بصدق القضية
المطلوبة او بالعكس, عندما يكون صدق أحداهما يلزم كذب الأخرى.
والقضيتان اللتان لهما هذه الصفة هما القضيتان المتناقضتان,
فإذا أردت مثلا أن تبرهن على صدق القضية (الروح موجودة), مع فرض انك لا تتمكن على
ذلك مباشرة, فيكفي أن تبرهن على كذب نقيضها وهو (الروح ليست موجودة) فإذا علمت كذب
هذا النقيض لا بد أن تعلم صدق الأولى, لان النقيضين لا يكذبان معا. وإذا برهنت على
صدق النقيض لا بد أن تعلم كذب الأولى لأن النقيضين لا يصدقان معا.
وربما يظن أن معرفة نقيض القضية أمر ظاهر كمعرفة نقائض
المفردات, كالإنسان واللانسان, التي يكفي فيها الاختلاف بالإيجاب والسلب. ولكن
الأمر ليس بهذه السهولة إذ يجوز أن تكون الموجبة والسالبة صادقتين معا, مثل: بعض
الحيوان انسان, وبعض الحيوان ليس بانسان. ويجوز أن تكونا كاذبتين معا, مثل: كل
حيوان انسان, ولا شيء من الحيوان بإنسان.
وعليه, لا غنى للباحث عن الرجوع إلى قواعد التناقض المذكورة في
علم المنطق لتشخيص نقيض كل قضية.
تعريف التناقض:
قد عرفت فيما سبق المقصود من التناقض الذي هو أحد أقسام
التقابل, ولنضعه هنا بعبارة جامعة فنية في خصوص القضايا, فنقول (تناقض القضايا:
اختلاف في القضيتين يقتضي لذاته ان تكون احداهما صادقة والاخرى كاذبة).
ولا بد من قيد (لذاته) في التعريف, لانه ربما يقتضي اختلاف
القضيتين تخالفهما في الصدق والكذب, ولكن لا لذات الاختلاف, بل لامر آخر, مثل: كل
إنسان حيوان, ولا شيء من الإنسان بحيوان, فانه لما كان الموضوع أخص من المحمول صدقت
إحدى الكليتين وكذبت الأخرى. إما لو كان الموضوع أعم من المحمول لكذبا معا نحو كل
حيوان انسان ولا شيء من الحيوان بانسان, كما تقدم.
ونعني بالاختلاف الذي يقتضي تخالفهما في الصدق هو الاختلاف الذي
يقتضي ذلك في أية مادة كانت القضيتان, ومهما كانت النسبة بين الموضوع والمحمول,
كالاختلاف بين الموجبة الكلية والسالبة الجزئية.
شروط التناقض
لا بد لتحقق التناقض بين القضيتين من اتحادهما في أمور ثمانية,
واختلافهما في أمور ثلاثة:
الوحدات الثمان:
تسمى الأمور التي يجب اتحاد القضيتين المتناقضتين فيها (الوحدات
الثمان) وهي ما يأتي:
1ـ (الموضوع), فلو اختلفا فيه لم يتناقضا مثل: العلم نافع,
الجهل ليس بنافع.
2ـ (المحمول), فلو اختلفا فيه لم يتناقضا مثل: العلم نافع,
العلم ليس بضار.
3ـ (الزمان), فلا تناقض بين (الشمس مشرقة) أي في النهار وبين
(الشمس ليست بمشرقة) أي في الليل.
4ـ (المكان), فلا تناقض بين (الأرض مخصبة) أي في الريف وبين
(الأرض ليست بمخصبة) أي في البادية.
5 ـ (القوة والفعل) أي لا بد من اتحاد القضيتين في القوة
والفعل, فلا تناقض بين (محمد ميت) أي بالقوة وبين (محمد ليس بميت) أي بالفعل.
6ـ (الكل والجزء), فلا تناقض بين (العراق مخصب) أي بعضه وبين
(العراق ليس بمخصب) أي كله.
7ـ (الشرط), فلا تناقض بين (الطالب ناجح آخر السنة) أي أن اجتهد
وبين (الطالب غير ناجح) أي إذا لم يجتهد.
8ـ (الإضافة) فلا تناقض بين (الأربعة نصف) أي بالإضافة إلى
الثمانية, وبين (الأربعة ليست بنصف) أي بالإضافة إلى العشرة.
تنبيه
هذه الوحدات الثمان هي المشهورة بين المناطقة. وبعضهم يضيف
إليها (وحدة الحمل) من ناحية كونه حملا أوليا أو حملا شايعا. وهذا الشرط لازم, فيجب
لتناقض القضيتين أن يتحدا في الحمل, فلو كان الحمل في إحداهما أوليا وفي الأخرى
شايعا, فإنه يجوز أن يصدقا معا, مثل قولهم (الجزئي جزئي) أي بالحمل الأولى (الجزئي
ليس بجزئي) أي بالحمل الشايع, لان مفهوم الجزئي من مصاديق مفهوم الكلي, فإنه يصدق
على كثيرين.
الاختلاف
قلنا: لا بد من اختلاف القضيتين المتناقضتين في أمور ثلاثة. وهي
(الكم والكيف والجهة).
الاختلاف بالكم والكيف:
أما الاختلاف بالكم والكيف, فمعناه أن إحداهما إذا كانت موجبة
كانت الأخرى سالبة, وإذا كانت كلية كانت الثانية جزئية. وعليه.
الموجبة الكلية .. نقيض .. .. السالبة الجزئية
الموجبة الجزئية .. نقيض .. السالبة الكلية
لانهما لو كانتا موجبتين أو سالبتين لجاز إن يصدقا أو يكذبا
معا. ولو كانتا كليتين لجاز أن يكذبا معا, كما لو كان الموضوع أعم, على ما مثلنا
سابقا. ولو كانتا جزئيتين لجاز أن يصدقا معا, كما لو كان الموضوع أيضا أعم. نحو:
بعض المعدن حديد. وبعض المعدن ليس بحديد.
الاختلاف بالجهة
أما الاختلاف بالجهة, فأمر يقتضيه طبع التناقض كالاختلاف
بالإيجاب والسلب, لأن نقيض كل شيء رفعه, فكما يرفع الإيجاب بالسلب والسلب بالإيجاب,
فلا بد من رفع الجهة بجهة تناقضها.
ولكن الجهة التي ترفع جهة أخرى قد تكون من إحدى الجهات
المعروفة, فيكون لها نقيض صريح, مثل رفع الممكنة العامة بالضرورية وبالعكس, لأن
الإمكان هو سلب الضرورة.
وقد لا تكون من الجهات المعروفة التي لها عندنا اسم معروف, فلا
بد أن نلتمس لها جهة من الجهات المعروفة تلازمها, فنطلق عليها اسمها فلا يكون نقيضا
صريحا, بل لازم النقيض.
مثلا (الدائمة) تناقضها (المطلقة العامة) ولكن لا بالتناقض
الصريح, بل احداهما لازمة لنقيض الأخرى, فإذا قلت: (الأرض متحركة دائما), فنقيضها
الصريح سلب الدوام, ولكن سلب الدوام ليس من الجهات المعروفة, فنلتمس له جهة لازمة,
فنقول: لازم عدم الدوام أن سلب التحرك عن الأرض حاصل في زمن من الأزمنة أي (ان
الأرض ليست متحركة بالفعل). وهذه مطلقة عامة تكون لازمة لنقيض الدائمة.
وإذا قلت: (كل إنسان كاتب بالفعل), فنقيضها الصريح إن الإنسان
لم تثبت له الكتابة كذلك, أي بالفعل. ولازم ذلك دوام السلب أي (ان بعض الإنسان ليس
بكاتب دائما) وهذه دائمة وهي لازمة لنقيض المطلقة العامة.
ولا حاجة إلى ذكر تفصيل نقائض الموجهات, فلتطلب من المطولات ان
أرادها الطالب, على انه في غنى عنها وننصحه الا يتعب نفسه بتحصيلها فأنها قليلة
الجدوى.
من ملحقات التناقض:
التداخل والتضاد والدخول تحت التضاد
تقدم أن التناقض في المحصورات الأربع يقع بين الموجبة الكلية
والسالبة الجزئية, وبين الموجبة الجزئية والسالبة الكلية, أي بين المختلفتين في
الكم والكيف.
ويبقى أن تلاحظ النسبة بين البواقي أي بين المختلفتين بالكم فقط
أو بالكيف فقط, ومعرفة هذه النسب تنفع أيضا في الاستدلال على قضية لمعرفة قضية أخرى
لها نسبة معها كما سيأتي:
وعليه نقول: المحصورتان إن اختلفتا كما وكيفا فهما المتناقضتان
وقد تقدم التناقض. وان اختلفتا في احدهما فقط فعلى ثلاثة أقسام.
1ـ (المتداخلتان) وهما المختلفتان في الكم دون الكيف أعني
الموجبتين أو السالبتين. وسميتا متداخلتين لدخول احداهما في الاخرى لان الجزئية
داخلة في الكلية.
ومعنى ذلك: ان الكلية إذا صدقت صدقت الجزئية المتحدة معها في
الكيف, ولا عكس.
ولازم ذلك ان الجزئية إذا كذبت كذبت الكلية المتحدة معها في
الكيف ولا عكس.
مثلا (كل ذهب معدن) فإنها صادقة ولا بد أن تصدق معها (بعض الذهب
معدن) قطعا.
ومثل (بعض الذهب أسود) فإنها كاذبة ولا بد أن تكذب معها (كل ذهب
أسود).
2ـ (المتضادتان) وهما المختلفتان في الكيف دون الكم, وكانتا
كليتين. وسميتا متضادتين لانهما كالضدين يمتنع صدقهما معا ويجوز أن يكذبا معا.
ومعنى ذلك أنه إذا صدقت احداهما لا بد أن تكذب الأخرى, ولا عكس,
أي لو كذبت احداهما لا يجب أن تصدق الأخرى.
فمثلاً إذا صدق (كل ذهب معدن) يجب أن يكذب (لا شيء من الذهب
بمعدن).
ولكن إذا كذب (كل معدن ذهب) لا يجب بأن يصدق (لا شيء من المعدن
بذهب), بل هي كاذبة في المثال.
3ـ (الداخلتان تحت التضاد) وهما المختلفتان في الكيف دون الكم,
وكانتا جزئيتين. وإنما سميتا داخلتين تحت التضاد, لانهما داخلتان تحت الكليتين كل
منهما تحت الكلية المتفقة معها في الكيف, من جهة, ولانهما على عكس الضدين في الصدق
والكذب, أي أنهما يمتنع اجتماعهما على الكذب, ويجوز ان يصدقا معاً.
ومعنى ذلك: أنه إذا كذبت احداهما لا بد أن تصدق الأخرى, ولا
عكس, أي أنه لو صدقت احداهما لا يجب أن تكذب الأخرى.
فمثلاً إذا كذب (بعض الذهب أسود) فإنه يجب أن يصدق (بعض الذهب
ليس بأسود).
ولكن إذا صدق (بعض المعدن ذهب) لا يجب أن يكذب (بعض المعدن ليس
بذهب), بل هذه صادقة في المثال.
وقد جرت عادة المنطقيين من القديم أن يضعوا لتناسب المحصورات
جميعا لأجل توضحيها لوحا على النحو الآتي:
العكوس

سبق في أول هذا الفصل أن قلنا: أن الباحث قد يحتاج للاستدلال
على مطلوبة إلى أن يبرهن على قضية أخرى لها علاقة مع مطلوبة يستنبط من صدقها صدق
القضية المطلوبة للملازمة بينهما في الصدق. وهذه الملازمة واقعة بين كل قضية و
(عكسها المستوي) وبينها وبين (عكس نقيضها). فنحن الآن نبحث عن القسمين:
العكس المستوي
أما العكس المستوي فهو: (تبديل طرفي القضية مع بقاء الكيف
والصدق).
أي أن القضية المحكوم بصدقها تحول إلى قضية تتبع الأولى في
الصدق وفي الإيجاب والسلب, بتبديل طرفي الأولى بأن يجعل موضوع الأولى محمولا في
الثانية والمحمول موضوعا, أو المقدم تاليا والتالي مقدما.
وتسمى الأولى (الأصل) والثانية (العكس المستوي). فكلمة (العكس)
هنا لها اصطلاحان: اصطلاح في نفس التبديل, واصطلاح في القضية التي وقع فيها
التبديل.
ومعنى أن العكس تابع للأصل في الصدق: أن الأصل إذا كان صادقا
وجب صدق العكس. ولكن لا يجب أن يتبعه في الكذب, فقد يكذب الأصل والعكس صادق. ولازم
ذلك أن الأصل لا يتبع عكسه في الصدق, ولكن يتبعه في الكذب فإذا كذب العكس كذب
الأصل, لأنه لو صدق الأصل يلزم منه صدق العكس والمفروض كذبه.
فهنا قاعدتان تنفعان في الاستدلال:
1ـ إذا صدق الأصل صدق عكسه.
2ـ إذا كذب العكس كذب أصله.
وهذه القاعدة الثانية متفرعة على الأولى. كما علمت.
شروط العكس
علمنا أن العكس إنما يحصل بشروط ثلاثة: تبديل الطرفين وبقاء
الكيف وبقاء الصدق. أما الكم فلا يشترط بقاؤه, وإنما الواجب بقاء الصدق وهو قد
يقتضي بقاء الكم في بعض القضايا وقد يقتضي عدمه في البعض الآخر.
والمهم فيما يأتي معرفة القضية التي يقتضي بقاء الصدق في عكسها
بقاء الكم أو عدم بقائه.
ولو تبدل الطرفان وكان الكيف باقيا. ولكن لم يبق الصدق, فلا
يسمى ذلك عكسا. بل يسمى (انقلابا).
الموجبتان تنعكسان موجبة جزئية:
أي أن الموجبة الكلية تنعكس موجبة جزئية. والموجبة الجزئية
تنعكس كنفسها. فإذا قلت:
كل حـ ب فعكسها ع ب حـ
و ع حـ ب فعكسها ع ب حـ
ولا ينعكسان الى كل ب حـ
البرهان:
(1) في الكلية: أن المحمول فيها إما أن يكون أعم من الموضوع أو
مساويا له.
وعلى التقديرين تصدق الجزئية قطعا لان الموضوع في التقديرين
يصدق على بعض أفراد المحمول, فإذا قلت:
كل ماء سائل يصدق بعض السائل ماء
وكل انسان ناطق يصدق بعض الناطق انسان
ولكن لا تصدق الكلية على كل تقدير, لان الموضوع في التقدير
الأول لا يصدق على جميع أفراد المحمول, لأنه اخص من المحمول, فإذا قلت:
(كل سائل ماء) فالقضية كاذبة وهو المطلوب
|