اغتيال أبي بكر الجزء الأول

الصفحة السابقة الصفحة التالية

اغتيال أبي بكر الجزء الأول

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 65

نزع شرحبيل بن حسنة (عند قدومه إلى الجباية)، وأمر جنده أن يتفرقوا على الأمراء الثلاثة. فقال له شرحبيل بن حسنة: يا أمير المؤمنين، أعجزت أم خنت؟ قال: لم تعجز ولم تخن. قال: فلم عزلتني؟ قال: تحرجت أن أؤمرك وأنا أجد أكفأ منك. قال: فاعذرني يا أمير المؤمنين في الناس. قال: سأفعل، ولو علمت غير ذلك لم أفعل، فقام عمر فعذره (1). ولم يكن شرحبيل كذلك إذ كان قد افتتح الأردن كلها عنوة ما خلا طبرية فإن أهلها صالحوه (2). فكان من السابقين ومن المجاهدين ومن القادة المدبرين ورغم ذلك نحاه عمر عن المسؤولية. وعين عمرو بن العاص مكانه فبدأ عمرو بإشاعة الأكاذيب ضد شرحبيل بن حسنة لإكمال ما بدأه عمر بن الخطاب. فقال شرحبيل: كذب عمرو بن العاص صحبت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعمرو أضل من جمل أهله (3). وبعد عزله عن قيادة الجيش الثاني في العراق وإشاعة الأكاذيب عليه،

(هامش)

(1) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 10 / 290، ذكر ذلك ابن شهاب الزهري. (2) المصدر السابق. (3) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 10 / 290، تهذيب الكمال 2 / 188. (*)

ص 66

قتل مع بلال وأصحابه في الشام (1). عزل واغتيال المثنى بن حارثة الشيباني ثم عزل عمر القائد الثالث لجند العراق المحسوب على خط أبي بكر ألا وهو المثنى بن حارثة الشيباني. إذ عزله عمر وولى أبا عبيدة الثقفي بدلا عنه (2). وقد قتل هؤلاء القادة المشهورون في خلافة عمر بن الخطاب. إذ جرح المثنى في معركة الجسر مع الفرس ثم مات بعد ذلك في ظروف مشكوكة. ولجأ خالد بن الوليد وشرحبيل بن حسنة إلى أبي عبيدة بن الجراح والي الشام ولجأ إليها أيضا معاذ بن جبل وبلال فكانت مجموعة منسجمة ضد عمر. عزل واغتيال أبي عبيدة بن الجراح عزل عمر والي الشام أبا عبيدة بن الجراح المحسوب على خط أبي بكر وعين معاوية بن أبي سفيان مكانه! (3)

(هامش)

(1) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 10 / 290، أسد الغابة، ابن الأثير 2 / 513. (2) أسد الغابة، ابن الأثير 5 / 60، 6 / 205، الإصابة 3 / 361. (3) تاريخ الطبري 3 / 165. (*)

ص 67

وكان هذا العزل مقدمة لاغتيال ابن الجراح. وكان كل عزل يتبعه اغتيال، وهذه نظرية معروفة من نظريات عمر بن الخطاب. فكان عمر قد عزل خالد بن الوليد والمثنى بن حارثة الشيباني وعتبة بن غزوان وشرحبيل بن حسنة وأبا عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وكل هؤلاء قد قتلوا في زمن خلافة عمر بن الخطاب! ومن الذين عزلوا ولم يقتلوا كان أنس بن مالك إذ كان شاذا عن تلك القاعدة ولكل قاعدة شواذ. ولقد مات ابن الجراح ومعاذ وشرحبيل وبلال في وقت واحد! وادعت الدولة بأن بلالا ومجموعته قد قتلوا بدعاء عمر عليهم! ولم يكن بلال من خط أبي بكر بل كان مخالفا أيضا إذ ذكر الجاحظ: وكان بلال وعمار يطعنان على أبي بكر وعمر (1). وكان بلال مخالفا لعمر ويأوي معارضيه. وقالوا بأن عمر بن الخطاب قد قال: اللهم اكفني بلالا وأصحاب بلال. قال: فما حال الحول عليهم حتى ماتوا جميعا (2). والظاهر أن الدولة قد شككت في قبول الناس بموت هذا العدد الكثير من الزعماء المعارضين بصورة طبيعية وفي وقت واحد.

(هامش)

(1) العثمانية ص 21. (2) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 10 / 290، أسد الغابة، ابن الأثير 2 / 513. (*)

ص 68

وموت المعارضين بصورة جماعية وفي وقت واحد قد تكرر، وأول ما حدث ذلك في زمن أبي بكر إذ مات أبو بكر وطبيبه وواليه على مكة في يوم واحد. والمرة الثانية كان بموت بلال وأصحابه في الشام. وكان معاوية بن أبي سفيان (والي عمر على الشام) ينفذ دعاء عمر بن الخطاب على الأرض، وقدرة معاوية على اغتيال المعارضين لا يجاريها أحد. وسبب انتصار عمر ومجموعته على أبي بكر ومجموعته يعود إلى أمرين: الأول: كانت مجموعة عمر أكثر دهاء من مجموعة أبي بكر، إذ فيهم معاوية بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة (1). وثانيا: اهتمام أبي بكر وجماعته بالفتوحات الخارجية وقيادة الجيوش، بينما اهتمت مجموعة عمر بالقضايا الأمنية والإدارية. ولتلافي خطر الجيش فقد عزل عمر خالد بن الوليد في اليوم الأول من مجيئه إلى السلطة، فلم يفهم خالد بموت أبي بكر إلا بعد عزله (2).

(هامش)

(1) كان السفير الثاني لقريش إلى ملك الحبشة لإرجاع المسلمين إلى مكة وقتلهم، وقد عينه عمر واليا له على اليمن. (2) طبقات ابن سعد 7 / 397، تاريخ اليعقوبي 2 / 95. (*)

ص 69

ثم مات خالد في سنة 21 هجرية في ظروف مشكوكة. وعزل عمر أنس بن مالك والي أبي بكر على البحرين (1)، وعين أبا هريرة بدلا عنه وبقي أنس مواليا لأبي بكر. إذ كان أبو هريرة من الموالين لعمر وبني أمية وكان أنس من الموالين لأبي بكر. ولم يقتصر ملف الموت السريع على أبي بكر وولاته وقادته بل شمل أبا قحافة! إذ لم يعش أبو قحافة بعد أبي بكر إلا ستة أشهر وأياما، وتوفي في المحرم سنة أربع عشرة بمكة (2). وتعتبر عائلة أبي بكر من المعمرين في السن فلولا قتلهم أبا بكر لعاش أكثر، ولكنهم قتلوه وقتلوا أولاده! ومجموع تلك الأحداث يثبت بأن عزل وقتل هؤلاء قد تم بواسطة جهة واحدة وبأمر واحد، ومن قبل طرف مستفيد من تلك الحالة. وتلك الجهة تتمثل في عمر وعثمان وأبو سفيان ومعاوية والمغيرة وأبو هريرة وابن العاص وابن عوف الذين قسموا مناصب الدولة فيما بينهم بعد طردهم لأعوان أبي بكر وأصبح عمر بن الخطاب خليفة وعثمان وصيا له وابن عوف وصيا لعثمان!

(هامش)

(1) مختصر تاريخ ابن عساكر 5 / 73، تاريخ الإسلام، الذهبي، عهد الخلفاء الراشدين 121، تاريخ خليفة 123. (2) تاريخ الطبري 2 / 217، مرآة اليافعي 1 / 140. (*)

ص 70

لماذا دفن أبو بكر ليلا؟

 كان الناس يمتنعون من الدفن ليلا فسألوا عقبة بن عامر: أيقبر الميت ليلا؟ فقال: قد قبر أبو بكر ليلا (1). ولكن بعد مقتل أبي بكر وصاحبيه بالسم، دفن أبو بكر ليلا، إذ جاء: وكانت وفاته ليلة الثلاثاء، ودفنه فيها قبل أن يصبح الناس! (2) وصلى عليه عمرو (بن العاص) (3). وقالت عائشة: توفي أبو بكر ليلا فدفناه قبل أن نصبح (4). وقال ابن الجوزي: ثم دفن ليلا (5). وتسببت عملية دفن أبي بكر السريعة والليلية وفي ذات ليلة وفاته عدم تمكن المسلمين من حضور مراسم دفنه، وإلقاء النظرة الأخيرة على جثمانه، ورؤية صورته! أن السرعة الخارقة في دفن أبي بكر والاستفادة من ستار الليل ونوم

(هامش)

(1) الطبقات 3 / 207، فكان ثاني من دفن ليلا، بعد فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله). (2) تاريخ أبي زرعة الدمشقي 34، تاريخ أبي الفداء 1 / 222، تاريخ الطبري 2 / 622، الكامل في التاريخ 2 / 418، 419، الطبقات 3 / 207، 208. (3) الطبقات، ابن سعد 3 / 207. (4) الطبقات، ابن سعد 3 / 207. (5) المنتظم 4 / 130. (*)

ص 71

الناس يثبت بأن عملية قتله وصاحبيه كانت سياسية ومن قبل رجال متنفذين في السلطة. ولو كان اليهود قتلوه لما خافت الدولة من ذلك. ولما أسرعت في دفنه ولصرحت باسم من قتله، وسمحت لعائلة أبي بكر بالاقتصاص منه، ولكن هذا لم يحصل، وبقي مقتصرا على اتهام اليهود بالأمر بلا دليل للهروب من تهمة الاغتيال! لماذا منع مجلس النياحة على وفاة أبي بكر؟ بعد موت أبي بكر بالسم أقامت عائشة وأم فروة ابنة أبي قحافة مجلس عزاء لوفاته، فهجم عمر على ذلك المجلس، وأدخله الرجال دون إذن، وضرب أم فروة بدرته، متسببا في إفساد ذلك المجلس (1). فكانت الحوادث كالآتي: قتل أبي بكر بالسم ودفنه ليلا ومنع مجلس النياحة عليه! وعزل وقتل أصحابه وقتل طبيبه. وأثر اغتيال أبي بكر الخاطف على عائلته إذ مات أبوه أبو قحافة متأثرا من وقع الصدمة بعد أشهر من ذلك الحادث فمات في رجب سنة أربع

(هامش)

(1) تاريخ الطبري ج 4 / حوادث سنة 13، الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 204، كنز العمال 18 / 118، كتاب الموت. (*)

ص 72

عشرة بمكة (1).

 طبيعة العلاقة بين عائلة أبي بكر وعمر وعثمان

 لقد ساءت العلاقة بين عائلة أبي بكر من جهة وعمر وعثمان من جهة أخرى بعد حادثة مقتل أبي بكر: إذ تدهورت العلاقة بين عبد الرحمن بن أبي بكر معهما، فوصفه عمر بدويبة سوء (2). ولم يستخدماه في جهاز الدولة. ولم يلب عمر وعثمان حاجاته إذ أخرج عمر بن الخطاب الحطيئة الشاعر من السجن بشفاعة عمرو بن العاص بعد أن رفض شفاعة عبد الرحمن بن أبي بكر فيه (3). وتزوج عمر زوجة عبد الله بن أبي بكر السابقة دون موافقتها (4). وضرب عمر أم فروة بشدة بدرته لنياحتها على أبي بكر المقتول بالسم! (5)

(هامش)

(1) البداية والنهاية، ابن كثير 7 / 59. (2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 29. (3) البداية والنهاية، ابن كثير 8 / 105. (4) الطبقات، ابن سعد 8 / 265. (5) تاريخ الطبري ج 4، حوادث سنة 13، الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 204، كنز العمال 18 / 118، كتاب الموت. (*)

ص 73

وردت عائلة أبي بكر على أفعال عمر بحقها بطرق وسبل مختلفة:: ازداد حقد عبد الرحمن بن أبي بكر على عمر.: رفضت أم كلثوم بنت أبي بكر الزواج من عمر بن الخطاب في خلافته، وتزوجت مع طلحة بن عبيد الله! (1) وثار عبد الرحمن وعائشة ومحمد (أولاد أبي بكر) وطلحة (ابن عمه) على عثمان وقتلوه. وحاول عمر إرضاء عائشة بما لم تحصل عليه في زمن أبيها إذ فضلها في العطاء على المسلمين والمسلمات. وأعطاها مقام الفتوى. وبعد ما مات عمر بن الخطاب ساءت العلاقة بين عائشة وحفصة واستمرت القطيعة إلى أن ماتت حفصة (2). وبعد مقتل أبي بكر ساءت العلاقة بين عائشة والأمويين ثم تدهورت أكثر بقتل معاوية وابن العاص لمحمد بن أبي بكر، فأخذت تدعو عليهما في قنوتها دبر صلاتها (3). وأرضاها معاوية بعطاياه الكثيرة (4) مثلما فعل عمر

(هامش)

(1) تاريخ الطبري 5 / 17، الكامل في التاريخ 3 / 54، المعارف، ابن قتيبة 175، طبقات ابن سعد 8 / 462. (2) المعارف، ابن قتيبة 550. (3) تاريخ الطبري 5 / 105، حوادث سنة 38 ه‍، والكامل في التاريخ لابن الأثير 2 / 413، حوادث سنة 38 ه‍، والبداية والنهاية، ابن كثير 7 / 349، وشرح نهج البلاغة 6 / 88 خطبة 67. (4) سير أعلام النبلاء 2 / 187، المستدرك، الحاكم 4 / 13، الطبقات الكبرى، ابن سعد 8 / 67 طبعة صادر - بيروت. (*)

ص 74

معها ثم أسخطها بقتله عبد الرحمن بن أبي بكر. ولما ثارت عائشة على الأمويين قتلها معاوية في نفس سنة قتله لأخيها.

 من قتل طبيب أبي بكر؟

 تستخدم الحكومات الوسائل المختلفة لتحقيق أهدافها وإخفاء أعمالها، والجاهل في هذه الدنيا من وثق بصحة أفعال الحكومات السابقة ويعتبر الطبيب أفضل وسيلة لقتل الضحايا دون ريبة. ومن جهة أخرى يعتبر الطبيب أفضل شاهد لكشف الجرائم. لذا يتعرض الأطباء للقتل من قبل أولياء الضحايا والحكومات! فقد قتل أولياء عبد الرحمن بن خالد بن الوليد الطبيب ابن أثال النصراني لأنه قتل عبد الرحمن بأمر معاوية (1). وقتل السلطان عبد الحميد العثماني جمال الدين الأفغاني بواسطة طبيب أرسله له. وكشف طبيب نصراني للناس مقتل الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بالسم، عندما شاهده ميتا في زمن هارون الرشيد. وبعد ما أكل أبو بكر سما ومرض عرف طبيب العرب الشهير الحارث بن كلدة علة القتل، إذ سألوا أبا بكر: لو أرسلت إلى الطبيب.

(هامش)

(1) أسد الغابة 3 / 440، الإستيعاب ص 830، نسب قريش ص 327. (*)

ص 75

فقال (أبو بكر): قد رآني. قالوا: فما قال لك؟ قال: إني أفعل ما أشاء . أي لا فائدة ترجى مع السم إذ قال ابن كلدة لأبي بكر: أكلت طعاما مسموما سم سنة (1). وقد سقي الطبيب ابن كلدة سما أيضا فكف ومات (2) ثم دفنت الدولة أبا بكر ليلا قبل أن يصبح الناس وكتبت وصيته بخط عثمان. وكان الطبيب قد قال عن الإمام الحسن (عليه السلام) قبل موته: هذا رجل قد قطع السم أمعاءه (3). وانتقام عمر بن الخطاب من عبد الرحمن بن أبي بكر يعود إلى معارضته خلافة عمر لأبيه إذ كان يعارضها بقوة ويقول: إن قريشا تبغض ولاية عمر (4) وانتقام عمر من أم فروة بنت أبي قحافة يعود إلى معارضتها ذلك أيضا واتهامها عمر بن الخطاب بقتل أبي بكر فكان أن هجم عمر على مجلس النياحة المقام على موت أبي بكر وضربها (5).

(هامش)

(1) الطبقات، ابن سعد 3 / 198، مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 13 / 118. (2) العقد الفريد 6 / 292، تاريخ الطبري 2 / 611، المعارف، ابن قتيبة ص 283، أسد الغابة، ابن حجر 2 / 413، البداية والنهاية 10 / 137. (3) تاريخ دمشق 12 / 59 ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام). (4) كتاب الثقات، الحافظ محمد بن حبان 2 / 192. (5) تاريخ الطبري ج 4، حوادث سنة 13 هجرية، الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 204، طبعة صادر - بيروت، كنز العمال 18 / 18 كتاب الموت. (*)

ص 76

عمر يذكر المجموعة التي عارضت حكم أبي بكر من الحزب القرشي

 قال عمر بن الخطاب: أما والله لو كنت أطعت زيد بن الخطاب (أخاه) وأصحابه لم يتلمظ (أبو بكر) من حلاوتها (الخلافة) بشيء أبدا (1). فالظاهر من كلام عمر بن الخطاب أن أخاه وصحبه كانوا ضد خلافة أبي بكر لكنه لم يصرح عن آرائهم أكثر هل كانوا مع خلافة علي بن أبي طالب (عليه السلام) أم كانوا مع خلافته؟ ومن المعارضين لحكم أبي بكر كان عمر بن الخطاب كما صرح هو نفسه بذلك قائلا: والهفاه على ضئيل بني تيم بن مرة! لقد تقدمني ظالما، وخرج إلي منها آثما (2). لذلك لم يكن عمر بن الخطاب من المجموعة الأولى التي بايعت أبا بكر للخلافة بل كانت المجموعة الأولى هي بشير بن سعد والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حضير وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة (3). والأنكى من ذلك أن عمر دعا في السقيفة لبيعة أبي عبيدة بن الجراح فاستنكر ابن الجراح ذلك واستقبحه من عمر إذ جاء:

(هامش)

(1) شرح نهج البلاغة، المعتزلي 2 / 31 - 34، الشافي، المرتضى 241 - 244. (2) المصدر السابق. (3) الطبقات، ابن سعد 3 / 181. (*)

ص 77

قال عمر لابن الجراح في السقيفة: أبسط يدك نبايعك. فقال (ابن الجراح): يا عمر ما رأيت لك تهمة (فهة) منذ أسلمت، أتبايعني وفيكم الصديق (1). وكان عمر يتصور من عرضه الخلافة على ابن الجراح وتركه أبا بكر أن ابن الجراح سوف يشكره على ذلك ويردها عليه، ولكن خاب ظنه وفشل في مسعاه، واضطغنها على ابن الجراح فعزله من ولاية الشام في زمن خلافته، وعين معاوية بدلا عنه (2). ومن المعارضين لخلافة أبي بكر كان الأشعث بن قيس القائل لعمر: والله ما جرأني على الخلاف عليك إلا تقدمه (أبو بكر) عليك، وتخلفك عنها (3).

 أطروحتا الأشعث لقتل أبي بكر وعلي بن أبي طالب (عليه السلام)

 وهو الأشعث بن قيس بن معديكرب من قبيلة كندة اليمنية. كان الأشعث بن قيس (رئيسا لقبيلة كندة ومن طغاة العرب) رجلا فتاكا غادرا. ذكر محمد بن شهاب الزهري إسلامه قائلا: قدم الأشعث بن قيس

(هامش)

(1) الطبقات، ابن سعد 3 / 181، أنساب الأشراف 1 / 579. (2) تاريخ الطبري 3 / 165، طبعة الأعلمي - بيروت. (3) المصدر السابق. (*)

ص 78

على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بضعة عشر راكبا من كندة، فدخلوا على النبي (صلى الله عليه وآله) مسجده، وقد رجلوا جممهم واكتحلوا، وعليهم جباب الحبرة قد كفوها بالحرير، وعليهم الديباج ظاهر مخوص بالذهب. فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألم تسلموا؟ قالوا: بلى. قال: فما بال هذا عليكم؟ فألقوه، فلما أرادوا الرجوع إلى بلادهم أجازهم بعشر أواق، وأعطى الأشعث اثنتي عشرة أوقية (1). وهناك روايتان في ردتهما عن الإسلام: أن زياد بن لبيد الأمير على حضرموت قد أخذ قلوصا (من الإبل) لغلام من كندة، وكانت كوماء من خيار إبله، فلما أخذها زياد وعقلها في إبل الصدقة ووسمها جزع الغلام من ذلك فخرج يصيح إلى حارثة بن سراقة بن معديكرب. فقال: أخذت الفلانية من إبل الصدقة، فأنشدك الله والرحم فإنها أكرم إبلي علي، فخرج معه حارثة حتى أتى زيادا فطلب إليه أن يردها عليه، ويأخذ مكانها بعيرا، فأبى عليه زياد. فتسبب فعل زياد في ردة بني معديكرب فقال حارثة بن سراقة الكندي:

(هامش)

(1) مختصر تاريخ ابن عساكر 4 / 408. (*)

ص 79

أطعنا رسول الله ما دام وسطنا * فيال عباد الله ما لأبي بكر (1) فحاصر المسلمون الحصن فنزل إليهم الأشعث بن قيس فسألهم أن يؤمناه على دمه وماله ففعلوا، وجاءوا به إلى أبي بكر بعد أن قتلوا رجال قبيلته وسبوا نساءهم وغنموا أموالهم. فطلب الأشعث من أبي بكر أن يمن عليه ويزوجه أخته أم فروة، ففعل أبو بكر. فقال مسلم بن صبيح السكوني. جزى الأشعث الكندي بالغدر ربه * جزاء مليم في الأمور ظنين أخا فجرة لا تستقال وغدرة * لها أخوات مثلها ستكون فلا تأمنوه بعد غدرته بكم * على مثلها فالمرء غير أمين (2) وقال ابن سعد: بأن الأشعث بن قيس هو الذي قاد قومه للردة فارتدوا إذ قال له امرؤ القيس: لا يدعك عامل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ترجع إلى الكفر. فقال الأشعث: من؟ قال: زياد بن لبيد، فتضاحك الأشعث وقال: أما يرضى زياد أن أجيره! فقال امرؤ القيس: سترى (3). وفي زمن ردة الأشعث عن الإسلام أصبح مؤذنا للنبية الكذابة سجاح بنت الحارث التميمية التي تزوجت بمسيلمة الكذاب (4).

(هامش)

(1) مختصر تاريخ ابن عساكر 4 / 411. (2) معجم البلدان 5 / 272، مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 4 / 412. (3) المصدر السابق. (4) تاريخ اليعقوبي 2 / 129. (*)

ص 80

لذلك لما طلب الأشعث من زياد الأمان له قال له زياد بن لبيد: لا أؤمنك أبدا على دمك، وأنت كنت رأس الردة، والذي نقض علينا كندة. واتفقا على أن يفتح له باب الحصن مقابل أخذ الأشعث إلى أبي بكر ليرى فيه رأيه (1). وبعد أن عفى أبو بكر عنه وزوجه أخته أم فروة غدر بأبي بكر إذ قال عمر قلت للأشعث: يا عدو الله أكفرت بعد إسلامك، وارتددت ناكصا على عقبيك؟ فنظر إلي نظرا علمت أنه يريد أن يكلمني بكلام في نفسه، ثم لقيني بعد ذلك في سكك المدينة فقال لي: أنت صاحب الكلام يا بن الخطاب؟ فقلت: نعم يا عدو الله، ولك عندي شر من ذلك. فقال: بئس الجزاء هذا لي منك. قلت: وعلام تريد مني حسن الجزاء؟ قال (الأشعث): لأنفتي لك من اتباع هذا الرجل (أبا بكر)، والله ما جرأني على الخلاف عليه إلا تقدمه عليك، وتخلفك عنها. ولو كنت صاحبها لما رأيت مني خلافا عليك. قلت: لقد كان ذلك فما تأمر الآن؟ قال (الأشعث): إنه ليس بوقت أمر بل وقت صبر، ومضى ومضيت. ولقي الأشعث الزبرقان بن بدر فذكر له ما جرى بيني وبينه فنقل ذلك

(هامش)

(1) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 4 / 413، وقال الواقدي هذا أثبت عند أصحابنا من غيره. (*)

ص 81

إلى أبي بكر فأرسل إلي بعتاب مؤلم (1). وهذا الأمر يثبت بأن الصراع على السلطة بين أبي بكر وعمر قد بدأ بوصول أبي بكر إليها لأن ردة الأشعث عن الإسلام كانت في بداية حكم أبي بكر. وعندها أدرك أبو بكر بأن الأشعث بن قيس قد غدر به مرة ثانية! لذلك قال أبو بكر قبل وفاته: ليتني حين أتيت بالأشعث بن قيس أسيرا أني قتلته ولم أستحيه فإني سمعت منه، وأراه لا يرى غيا ولا شرا إلا أعان عليه (2). وهكذا مكر الأشعث بن قيس بأبي بكر مرة ثانية فأصبح من حزب عمر وعثمان فحصل على ما يريد إذ جعله عثمان واليا على أذربيجان (3) بعد ما تركه أبو بكر دون إمارة. ومن أفعال الأشعث ضد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):: ألزم عليا (عليه السلام) بالتحكيم (4).: شارك في مؤامرة اغتياله (عليه السلام) (5).

(هامش)

(1) شرح نهج البلاغة، المعتزلي 2 / 31 - 34، المسترشد، محمد بن جرير الطبري، الشافي، المرتضى ص 241، 244. (2) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 18، مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 13 / 122، تاريخ المسعودي 2 / 302. (3) أسد الغابة، ابن الأثير 1 / 118. (4) أسد الغابة، ابن الأثير 1 / 118. (5) مع عبد الرحمن بن ملجم. (*)

ص 82

وسقت جعدة بنت الأشعث الحسن بن علي (عليهما السلام) سما فقتلته (1). ومن خلال اعتراف عمر بن الخطاب نفهم بأن الأشعث بن قيس كان أول من دعا عمر لاغتيال أبي بكر وهو في بداية خلافته. وموضوع الأشعث في إسلامه وارتداده عن الإسلام وتحريكه فتنة عزل أبي بكر وقتله ومشاركته في قضية التحكيم في معركة صفين ومساهمته في اغتيال الإمام علي (عليه السلام) نموذج مشابه لنماذج الحزب القرشي في الغدر والخيانة إذ جاء في اغتيال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): وقبض قتيلا في مسجد الكوفة وقت التنوير ليلة الجمعة لتسعة عشر مضين من شهر رمضان، على يدي عبد الرحمن بن ملجم المرادي. وقد عاونه وردان بن مجالد من تيم الرباب، وشبيب بن بجرة والأشعث بن قيس، وقطام بنت الأخضر. فضربه سيفا على رأسه مسموما فبقي يوما إلى نحو ثلث من الليل (2).

 انقسام أفراد الحزب القرشي إلى جناحين

 وقف أفراد الحزب القرشي في صفين متقابلين بعد وصول أبي بكر إلى السلطة، فكان المناصرون لأبي بكر كالتالي: عتاب بن أسيد الأموي، وخالد بن الوليد المخزومي، وعكرمة بن أبي

(هامش)

(1) أسد الغابة، ابن الأثير 1 / 118. (2) المناقب، ابن شهر آشوب 3 / 92. (*)

ص 83

جهل، وأبو عبيدة بن الجراح، والمثنى بن حارثة الشيباني، ومعاذ بن جبل، وأنس بن مالك وطلحة بن عبد الله وشرحبيل بن حسنة. وكان المؤيدون لعمر بن الخطاب كالآتي: عثمان بن عفان، أبو سفيان وأولاده (معاوية ويزيد وعتبة)، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، وسعيد بن العاص، وأبو هريرة، وعبد الرحمن بن عوف، والمغيرة بن شعبة، وأبو موسى الأشعري، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة (والي عمر على اليمن). فكانت الروايات الحاكية عن وصية أبي بكر لعمر قد جاءت من عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وهما المتفقان مع عمر على أن تكون الخلافة - بعد قتل أبي بكر - بالتناوب بينهم عمر أولا ثم عثمان ثم ابن عوف. لذلك قال أبو هريرة ما سمعه في حق أبي بكر وأخفى ما قيل بحق عمر بن الخطاب. فذكر ما يشير إلى قبول النبي (صلى الله عليه وآله) بلعن أبي بكر. إذ روى أبو هريرة أن رجلا شتم أبا بكر والنبي (صلى الله عليه وآله) جالس فجعل النبي (صلى الله عليه وآله) يعجب ويبتسم (1). وكان أبو بكر قد ترك أبا هريرة ولم يوله أمرا من أمور الدولة وعين أنس بن مالك واليا على البحرين فنفر منه أبو هريرة، وذكر الحوادث التي تنال منه (2).

(هامش)

(1) مسند أحمد بن حنبل 2 / 436. (2) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 5 / 66 - 73. (*)

ص 84

ولما جاء عمر بن الخطاب إلى السلطة عزل أنس بن مالك عن ولاية البحرين وعين أبا هريرة بدلا عنه (1). وروى أنس بن مالك ما فضح به عثمان بن عفان إذ جاء في كتاب الصراط المستقيم: روى أحمد في مسنده عن أنس أنه لما ماتت رقية بنت النبي (صلى الله عليه وآله) بضرب زوجها عثمان لعنه النبي (صلى الله عليه وآله) خمس مرات، وقال (صلى الله عليه وآله): لا يتبعنا أحد ألم بجاريته البارحة، لأجل أنه (عثمان) ألم (جامع) بجارية رقية، فرجع جماعة وشكى عثمان بطنه ورجع (2). وروى أنس بن مالك قوله: إنه رأى عمر يزعج أبا بكر إلى المنبر إزعاجا (3). وكانت علاقة خالد بن الوليد مع عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف سيئة جدا واستمرت كذلك إلى يوم مقتل خالد في الشام (4). وهذه الحادثة في الحقيقة انقلاب ثان معارض لانقلاب السقيفة الذي تقرر فيه أن تكون الخلافة أولا لأبي بكر ثم عمر ثم ابن الجراح. فقد روى عبد الرحمن بن عوف أن أبا بكر قال له: أخبرني عن عمر

(هامش)

(1) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 5 / 66 - 73. (2) الصراط المستقيم 3 / باب 12 / 34. (3) المغازي النبوية، ابن شهاب الزهري ص 133 طبعة دار الفكر 1401 ه‍، 1981 م. (4) أسد الغابة، ابن الأثير 2 / 110، تاريخ اليعقوبي 2 / 95، طبقات ابن سعد 7 / 397. (*)

ص 85

بن الخطاب. فقال عبد الرحمن: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني. فقال أبو بكر: وإن. فقال عبد الرحمن: هو والله أفضل من رأيك فيه. ثم روى عثمان بن عفان قوله لأبي بكر في عمر: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأن ليس فينا مثله. فقال أبو بكر: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدوتك (1). نستفيد من هذه الرواية أن رأي أبي بكر في عمر كان سيئا وليس مثلما كان سابقا، لذلك قال ابن عوف لأبي بكر هو والله أفضل من رأيك فيه. والملاحظ من رواية عثمان عن أبي بكر أنه ضرب عصفورين بحجر واحد، فأولا ثبت خلافة عمر لأبي بكر. وثانيا ثبت الخلافة لنفسه من لسان أبي بكر. فعزل أبا عبيدة بن الجراح عن الخلافة دون ذكر اسمه! بينما كان أبو بكر يفضل عتاب بن أسيد وأبا عبيدة بن الجراح على عمر وعثمان. وروى عبد الرحمن بن عوف أيضا قال أبو بكر في مرضه: إني وليت عليكم أمركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم من ذلك أنفه يريد أن يكون

(هامش)

(1) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 13 / 119. (*)

ص 86

الأمر له (1). وقالوا رواية كاذبة على لسان أنس بن مالك - المحسوب على خط أبي بكر - لإثبات وصية أبي بكر لعمر جاء فيها: قال أبو بكر: أما إني قد كنت حريصا على أن أوفر في المسلمين فيئهم مع أني قد أصبت من اللحم واللبن، فانظروا ما كان عندنا فأبلغنه عمر. قال: فذاك حيث عرفوا أنه استخلف عمر (2). وفي الواقع والحقيقة أن أنس بن مالك لم يكن في المدينة عند موت أبي بكر بل كان واليا على البحرين من قبل أبي بكر. ولما مات أبو بكر ووصل عمر إلى الخلافة بعث إليه وطالبه بالأموال التي خزنها لنفسه وعزله عن إمارة البحرين (3). وعين أبا هريرة محله. ومن أدلة انقسام الحزب القرشي إلى جناحين متعارضين مخاصمة شرحبيل بن حسنة لعمرو بن العاص (4).

 لماذا قتلوا أبا بكر؟

 لقد تيقن عمر والأمويون بأن أبا بكر سوف يصرف الخلافة عن عمر

(هامش)

(1) تاريخ دمشق، ابن عساكر 13 / 122. (2) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 13 / 124. (3) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 5 / 73. (4) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 10 / 290، تهذيب الكمال، المزي 2 / 188. (*)

ص 87

إلى رجل آخر من أعضاء الحزب القرشي، وعلى رأس المرشحين لها أبو عبيدة بن الجراح. إذ قال المغيرة بن شعبة: كان قوم كرهوا ولاية عمر ليزووها عنه، وما كان لهم في ذلك حظ (1). وكان عبد الرحمن بن أبي بكر يعارض خلافة عمر بن الخطاب (2). وكان طلحة بن عبد الله التيمي (ابن عم أبي بكر) يكره ولاية عمر إذ قال لأبي بكر: أتستخلف علينا فظا غليظا (3). والعجيب أن عمر بن الخطاب نفسه يأس من الخلافة إذ صرح قائلا: ذاك لأنه (أبا بكر) لم يخرج إلي منها إلا بعد يأس منها (4). إذن كان عمر قد يأس من الخلافة. ولولا مكر عمر وعثمان في إخراج أبي بكر من الخلافة لبقيت الخلافة في حوزة أبي بكر ومجموعته الخاصة داخل الحزب القرشي وهم أبو عبيدة بن الجراح الفهري وعتاب الأموي وخالد بن الوليد المخزومي وعكرمة بن أبي جهل المخزومي. وكان مكر عمر في قتل أبي بكر قد جاء ردا على مكر أبي بكر في

(هامش)

(1) شرح نهج البلاغة، المعتزلي 2 / 31 - 34، المسترشد، محمد بن جرير الطبري، الشافي، المرتضى ص 241، 244. (2) كتاب الثقات، الحافظ محمد بن حبان 2 / 192. (3) المصدر السابق. (4) المصدر السابق. (*)

ص 88

السقيفة إذ قال عمر عن دور أبي بكر في السقيفة: إن الرجل (أبا بكر) ماكرني فماكرته (1). واعترف عمر بعدم وصية أبي بكر له بصورة لفظية وكتبية قائلا: فقال (أبو بكر): بل نستديمه، وإنها لصائرة إليك بعد أيام، فظننت أنه لا يأتي عليه جمعة حتى يردها علي فتغافل. والله ما ذكرني بعد ذلك حرفا حتى هلك (2). أن أبا بكر قد اتهم عمر بن الخطاب بسمه فندم على إبقائه في المدينة إلى جانبه، فقال في مرض موته: وأما الثلاث التي تركتهن وودت أني كنت فعلتهن: وددت لو أني حين سيرت خالد بن الوليد إلى أهل الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى أهل العراق (3). وظاهر الأمر هو إلحاح الأمويين في قضية قتل أبي بكر. لأن اتفاق السقيفة يدعوا إلى تناوب الخلافة بين أبي بكر وعمر وابن الجراح، فيكون احتمال وصول عثمان بن عفان إلى الخلافة مستحيلا، خاصة وأن سن عمر بن الخطاب أقل من سن عثمان. وكان الاتفاق على تناوب الخلافة بين أبي بكر وعمر وابن الجراح

(هامش)

(1) المصدر السابق. (2) المصدر السابق. (3) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 13 / 123، الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 18، 19. (*)

ص 89

معروفا عند أفراد الحزب القرشي لذلك أعطت عائشة صبغة دينية لهذا الاتفاق فوضعت له حديثا على لسان الرسول (صلى الله عليه وآله) إذ سألوها من كان رسول الله مستخلفا لو استخلفه؟ قالت: أبو بكر. فقيل لها: ثم من؟ قالت: عمر. ثم قيل: من بعد عمر؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح (1). فتمكن الأمويون بواسطة عملية اغتيال أبي بكر من جعل عثمان في المرتبة الثالثة بعد عمر. وأدرك أبو بكر بعد سمه خطأ حساباته فتمنى إخراجه عمر بن الخطاب من المدينة إلى العراق. ولكن أمنياته تبخرت مع وصول الطعام المسموم إلى جوف بطنه! والصراع على السلطة والتنافس عليها صفة معروفة في الحكومات والدول المختلفة ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الملوك والوزراء والولاة، وما زالت عجلة الاغتيال تسحق ضحايا جدد في كل يوم.

(هامش)

(1) سنن مسلم 4 / 1856 ح 2385 طبع دار إحياء التراث العربي - بيروت. (*)

ص 90

مدح عائشة لأبيها أثناء احتضاره

 وعند موت أبي بكر ذكرت عائشة أشعارا لمدحه قد قيلت في شأن الرسول (صلى الله عليه وآله) إذ قالت: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ربيع اليتامى عصمة للأرامل فقال أبو بكر: ذاك رسول الله (1). وقالت عائشة شعرا يظهر أبا بكر ثريا، ولم يكن أبو بكر كذلك، بل كان من عائلة فقيرة إذ قالت: أماوي ما يغني الثراء عن الفتى * إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر فقال أبو بكر: بل هكذا قولي: { وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد } (2). والفرق بين النظريتين أنها كانت تنظر من منظار الدنيا وهو ينظر من منظار الآخرة لقربه من الموت.

 اغتيال عتبة بن غزوان صهر الطبيب

 تسبب مقتل الحارث بن كلدة بيد الحزب القرشي ظهور حقد عند

(هامش)

(1) الطبقات، ابن سعد 3 / 198. (2) ق: 19، مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 13 / 123. (*)

ص 91

أولاد الحارث على أفراد ذلك الحزب محاولين الانتقام منهم. وأولاد سمية المنتسبون إلى الحارث هم: أبو بكرة جاء فيه: في حصار الطائف قال الرسول (صلى الله عليه وآله): أيما عبد نزل إلي فهو حر، فنزل أبو بكرة واسمه نفيع (وهو عبد للحارث بن كلدة). وأراد أخوه نافع أن يدلي نفسه فقال له الحارث: أنت ابني فأقم فأقام، فنسبا إليه جميعا. وأمهما سمية هي أم زياد بن أبيه. وانتسبت أزدة بنت الحارث إلى الحارث، وكانت تحت عتبة بن غزوان فلما ولى عتبة البصرة حملها فخرج معها إخوتها نافع، ونفيع وزياد (1). وقد كان نافع ونفيع وزياد من ثقيف وكان المغيرة بن شعبة الغادر بقومه من ثقيف أيضا. ولم يسلم المغيرة رغبة في الإسلام بل من جراء غدرة غدر بها أسياده يوم كان يخدمهم فقتلهم وسلب أموالهم (2). ويظهر بأن زواج عتبة بن غزوان من أزدة بنت الحارث بن كلدة وتمكنه من فتح جنوب العراق واختطاط مدينة البصرة له دخل أكيد في اغتياله.

(هامش)

(1) المعارف، ابن قتيبة ص 288. (2) سير أعلام النبلاء، الذهبي 3 / 120. (*)

ص 92

إذ اتفق عمر بن الخطاب والمغيرة بن شعبة على دعوته إلى المدينة وتعيين المغيرة بدلا عنه واليا على البصرة. فدعاه عمر إلى الحضور في المدينة، ولما حضر إلى المدينة عين عمر المغيرة بن شعبة مكانه. ولم يفهم عتبة ما خططوه له، ولما حاول عتبة بن غزوان العودة إلى البصرة اغتالوه في نصف الطريق، ولم يصل إلى البصرة. فقتل بيد الحزب القرشي مثلما قتل صهره الحارث بن كلدة. وكان عتبة بن غزوان من جناح أبي بكر بينما كان سعد بن أبي وقاص من الجناح العمري. وكان عتبة واليا على البصرة وسعد بن أبي وقاص عاملا من عماله (1). وبسبب موقف رجال السلطة من جناح أبي بكر فقد حصل تصادم بين الاثنين، فوقف عمر إلى جانب سعد لأصله القرشي، فأنكر عليه عتبة بن غزوان ذلك وبأنه قرشي أيضا (2). وفي الحقيقة كان سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان غير قرشيين إذ كان سعد من بني عذرة (3). وكان عتبة من قيس عيلان حليفا لقريش (4).

(هامش)

(1) الطبقات الكبرى، ابن سعد 7 / 5. (2) المصدر السابق. (3) مثالب العرب، ابن الكلبي ص 97. (4) الطبقات الكبرى، ابن سعد 7 / 5. (*)

ص 93

ولكن السياسة أوجبت ذلك. ولم يكن عذر عمر الحقيقي نسب عتبة إذ لم يكن المغيرة بن شعبة والأشعري من قريش. ولكن السياسة توجب على أصحاب نظرية المصلحة إخفاء الأسباب الحقيقية لأعمالهم. وبعد اغتيال عتبة بن غزوان حل المغيرة بن شعبة محله وبقي واليا على البصرة. وحاول أولاد الحارث بن شعبة (بالانتساب) نافع ونفيع وزياد الانتقام من المغيرة بن شعبة المشهور بالغدر والفتك الذي غدر بهم مرتين. فهو الذي اغتال مجموعة من رجال ثقيف في السفر غدرا ثم جاء إلى المدينة هاربا من قبيلته لاجئا إلى النبي (صلى الله عليه وآله). ثم غدر بعتبة بن غزوان فشارك في قتله. فعرف المغيرة بعد تلك العملية بالغادر عند أهل قبيلته وعند العرب، والظاهر بأن له اليد الطولى في مقتل أعداء عمر بن الخطاب والأمويين. وبعد سعي أولاد الحارث في هذا الطريق تمكنوا من التعرف على واحدة من أفعال المغيرة بن شعبة الشنيعة عسى أن يتمكنوا من قتله بعتبة بن غزوان أو الحارث بن كلدة. أو المقتولين غدرا من بني ثقيف.

ص 94

وحصل أولاد الحارث بن كلدة على ما أرادوا إذ شاهد نافع ونفيع وزياد وشبل بن معبد زنى المغيرة بأم جميل في البصرة وأخبروا الناس بذلك، ومنعوا المغيرة من إمامة صلاة الجماعة في البصرة، وفعلا ساءت سمعة المغيرة بين أهالي البصرة. ولما جاء الشهود إلى المدينة ليشهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنى وقرب أجل المغيرة كان القاضي في تلك الجلسة عمر بن الخطاب. ولأجل العلاقة المتينة بين عمر والمغيرة فقد وقف عمر إلى جنب المغيرة في تلك المحاكمة. واصبحت القضية سياسية جذورها اغتيال أبي بكر والحارث بن كلدة وفرعها اغتيال عتبة بن غزوان والي البصرة.: فقد اتهم عمر بن الخطاب الشهود قبل المحاكمة إذ نظر إلى أبي بكرة (نافع) قائلا: اللهم إني أعوذ بك من شر ما جاء به! (1).: وسمح للمغيرة بن شعبة المتهم في تلك القضية بحمل سيف في داخل قاعة المحكمة، ورفعه فوق رؤوس الشهود (2). فكان كل شاهد يشهد وروحه في قبضة المغيرة بن شعبة، فشهد ثلاثة من الأربعة بزنى المغيرة وهم تحت رحمة سيفه.: ولما جاء الشاهد الرابع زياد بن أبيه للشهادة قال القاضي عمر بن

(هامش)

(1) مثالب العرب، هشام بن الكلبي ص 164. (2) مثالب العرب، هشام ابن الكبي ص 164. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

اغتيال أبي بكر الجزء الأول

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

012345678